اعتقال طلال ناجي.. بداية لفك ارتباط “الجبهة الشعبية” وكشف أسرار ملف معركة السلطان يعقوب

أعلنت السلطات السورية عن اعتقال طلال ناجي، الأمين العام لـ “الجبهة الشعبية – القيادة العامة” أمس، وذلك بعد أيام من اعتقال قيادات وكوادر من تنظيم “الجهاد الإسلامي” في سوريا.
تأتي هذه الاعتقالات في سياق التحركات الأمنية السورية التي تعكس تغييرات في سياسة النظام، التي كانت قد اعتمدت في الماضي على رعاية العديد من الفصائل الفلسطينية في سوريا.
كانت “الجبهة الشعبية – القيادة العامة” أحد التنظيمات التي تلقت دعمًا ورعاية طويلة الأمد من النظام السوري، حيث استفادت من امتيازات كبيرة لم تحصل عليها أي فصائل فلسطينية أخرى.
لعبت الجبهة دورًا أساسيًا في العديد من المحطات التاريخية لصالح الأجهزة الأمنية السورية، سواء في ملف المخيمات الفلسطينية في سوريا ولبنان، أو في التنسيق الاستخباري الخارجي لصالح النظام.
هذه العلاقة أسفرت عن تقديم الدعم للجبهة في مجالات التسليح والتدريب، مما جعلها تتمتع بتميز عسكري بين الفصائل الفلسطينية المسلحة.
يبدو أن الاعتقالات الأخيرة تأتي في إطار استجابة للضغوط الأمريكية التي تهدف إلى نزع سلاح الفصائل الفلسطينية في سوريا. هذا التوجه يسير بالتوازي مع الجهود الأمريكية لنزع سلاح “حزب الله” في لبنان، مما يجعل من الصعب فصل هذين السياقين الأمنيين عن بعضهما البعض.
وكان من بين الخطوات التي اتخذتها الجبهة في هذا الصدد، تفكيك مواقعها العسكرية في منطقة البقاع وتسليمها للجيش اللبناني، بعد سقوط بشار الأسد بفترة قصيرة.
لكن ما يثير الاهتمام بشكل خاص هو اعتقال طلال ناجي، إذ ينطوي هذا الاعتقال على دلالة قد تتجاوز السياقات الحالية، وقد يرتبط بملفات تاريخية حساسة كان قد تم إخفاؤها لعقود.
أبرز تلك الملفات هو معركة السلطان يعقوب التي وقعت في عام 1982، والتي لم يتم حلها بشكل نهائي حتى الآن، تتعلق هذه القضية بجثتين لجنود إسرائيليين تم أسرهم من قبل الجبهة الشعبية في المعركة، وذلك بمساعدة من الجيش السوري.
وفيما يتعلق بالجثتين الأخريين، يُعتقد أن جثة أحد الأسرى قد سُلّمت لإسرائيل عن طريق روسيا في عام 2019.
واحتفت إسرائيل مؤخرًا بعودة جثمان تسفي فيلدمان، الذي فقد خلال معركة السلطان يعقوب قبل أربعين عامًا، حيث أعلن الجيش الإسرائيلي استعادة جثته بعد عملية معقدة نفذها جهاز الموساد.
وفي هذا السياق، طرح العديد من المحللين تساؤلات حول دور النظام السوري الجديد في هذا الملف، بعد اعتقال طلال ناجي، الأمين العام للجبهة الشعبية – القيادة العامة، إذ تشير بعض التقارير إلى أن طلال ناجي قد “غرد” كثيرًا خلال فترة اعتقاله، بما يشير إلى وجود تفاعلات مع أجهزة النظام السوري، وهو ما يفتح بابًا لفرضية إمكانية بدء مرحلة جديدة من التنسيق الأمني بين سوريا من جهة، وإسرائيل وأمريكا من جهة أخرى، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الأمنية مثل قضية الأسرى والمحتجزين.
وتفاصيل هذه القضية تكشفت في وثيقة استخبارية سرية أرسلها اللواء علي دوبا في عام 1984 إلى الرئيس حافظ الأسد.
الوثيقة تضمنت تفاصيل مهمة عن مكان دفن الجنود الإسرائيليين الثلاثة، حيث تم دفنهم في موقع سري داخل مقبرة الشهداء بمخيم اليرموك، بحضور قيادات الجبهة مثل أحمد جبريل وعمر الشهابي وطلال ناجي، وتحت إشراف مباشر من جهاز الأمن السوري.
يطرح هذا الاعتقال العديد من الأسئلة حول ما إذا كان له علاقة بالملف المعقد لهذا الصراع التاريخي، وهل سيؤدي تفكيك ما تبقى من “الجبهة الشعبية” بعد سقوط الأسد إلى حل هذا الملف الذي يظل مفتوحًا منذ أربعين عامًا.
مع استعداد النظام الجديد في سوريا للتعاون الأمني مع الولايات المتحدة، قد تكون هذه الخطوة بداية لإغلاق هذا الملف، وإنهاء أحد فصول الماضي الأمني السوري المظلم.
تعليقات 0