16 يوليو 2025 22:01
سيناء الإخبارية
سيناء الإخبارية

فلسفة الحب ونقد الرأسمالية: بين عواصف القلب وتحولات النظام العالمي

صدرت مؤخرًا أعمال بارزة تلقي الضوء على جوانب متشابكة من حياة الإنسان. من جامعة أكسفورد جاء المرجع الضخم «دليل فلسفة الحب» ليجمع تأملات فلاسفة مرموقين حول طبيعة الحب وقيمته، فيما قدّم الكاتب الاقتصادي المخضرم جون كاسيدي، عبر كتابه «رأس المال ونقاده»، قراءة ممتدة لتاريخ الرأسمالية من زاوية غير تقليدية تعتمد لسان المنتقدين.

الحب، كما تعبّر عنه الفيلسوفة إيريس مردوك، ليس مجرد تجربة فردية بل هو ما يمنح الحياة معناها ومغزاها. فبينما يبدو شعور الحب للوهلة الأولى بسيطًا وواضحًا، إلا أنّه في الواقع معقد، يحمل في داخله تناقضات وانفعالات قد تكون مدمّرة أحيانًا.

ويتناول دليل أكسفورد المرجعي، الصادر عام 2024، هذا التعدد والتعقيد في مقالات فلسفية تتناول جوانب الحب من مختلف الزوايا: من الحب الرومانسي إلى حب الوالدين، ومن علاقته بالقانون إلى ارتباطه بالحرية والإرادة والمعرفة.

الفيلسوف رونالد دي سوسا يرى في الحب حالة من «اللاتوازن التخريبي» يصعب التحكم بها أو تهذيبها، إذ تدفع الإنسان إلى أقصى درجات الانفعال والسلوك المتطرف. وهو ما يعيدنا إلى أطروحات أفلاطون وأرسطو، حيث ناقش الأول الحب باعتباره وسيلة لبلوغ الجمال والفضيلة، بينما ربط الثاني الحب بالنية الأخلاقية المشتركة، واعتبر أن العلاقات المبنية على الفضيلة تدوم أكثر من تلك المبنية على اللذة العابرة.

يمضي هذا المرجع الهام، الذي حرره كل من كريستوفر غراو وآرون سموتس، إلى استعراض مساهمات فلاسفة مثل كيركيجارد وشوبنهاور وآيريس مردوك، في محاولة لفهم جوهر الحب، وتقاطعه مع الدين والتكنولوجيا والأدب والغيرة. وقد توزّعت مقالات الكتاب على خمسة أبواب شملت موضوعات متنوعة مثل الحب والعقل، الحب في الفكر الأخلاقي، وتجلياته في الاقتصاد والسياسة.

في المقابل، يقدّم جون كاسيدي في كتابه «رأس المال ونقاده: تاريخ من الثورة الصناعية إلى الذكاء الاصطناعي»، منظورًا فريدًا لتاريخ الرأسمالية من خلال أعين منتقديها. الكتاب، الذي يتجاوز 600 صفحة، لا يعيد فقط سرد المراحل المعروفة للرأسمالية، بل يغوص عميقًا في تشريح انتقاداتها المتعددة، من الحركات العمالية المبكرة إلى المفكرين الاقتصاديين الكبار مثل كارل ماركس، روزا لوكسمبورغ، وكينز، وحتى حركات معاصرة مثل “النمو الصفري”.

يرى كاسيدي أن الرأسمالية نظام قادر على التكيف بدرجة هائلة، لكنه يعيش في حالة دائمة من الأزمات. فكل مرة يوشك فيها النظام على الانهيار، تتدخل الدولة لتعديله لا لإلغائه، مما يجعل الرأسمالية نظامًا «مُدارًا» أكثر من كونه «حرًا». وهذه القدرة على إعادة التشكيل، كما يوضح الكاتب، لا تعني أن الانتقادات غير مجدية، بل تعني أن التغيير الجذري يتطلب أكثر من مجرد أفكار نظرية؛ بل يحتاج حركات جماعية وزخمًا سياسيًا.

المميز في كتاب كاسيدي أنه لا يكتفي بتقديم أسماء بارزة، بل يمنح مساحة لأصوات نسيتها بعض السرديات التقليدية، مثل فلورا تريستان، ج. سي. كومارابا، وجوان روبنسون، ما يُظهر أن نقد الرأسمالية كان -وما يزال- عالميًا ومتعدد الجوانب والاتجاهات.

في ختام عمله، لا يقدّم كاسيدي إجابة قاطعة عن مستقبل النظام الاقتصادي، بل يطرح تساؤلات عميقة عن ملامح الرأسمالية القادمة في ظل الذكاء الاصطناعي، والدخل الأساسي، وتضخم النزعات القومية، مقترحًا أننا نعيش اليوم في لحظة مفصلية من التحوّل العالمي.