السويداء على حافة الانفجار: تصاعد الاشتباكات بين الدروز والعشائر وسط تحركات رئاسية ودولية لاحتواء الأزمة

تشهد محافظة السويداء جنوب سوريا تصاعدًا خطيرًا في وتيرة الاشتباكات بين الفصائل الدرزية ومجموعات مسلحة من العشائر البدوية، في مشهد ينذر بانزلاق المنطقة إلى دائرة أوسع من العنف الطائفي والاضطراب الأمني، في وقت تتحرك فيه الرئاسة السورية والمؤسسات الدولية في سباق محموم لاحتواء الموقف.
أصل الأزمة وتصاعد المواجهات
اندلعت الاشتباكات خلال الأيام الماضية بعد سلسلة من التوترات المتراكمة بين مكونات محلية في السويداء، إذ هاجم مسلحون من العشائر البدوية قرى وبلدات خاضعة لسيطرة الفصائل المحلية الدرزية، مما أدى إلى اندلاع مواجهات مسلحة عنيفة، استخدمت فيها الأسلحة المتوسطة والخفيفة.
ورغم محاولات الوساطة التي قادها وجهاء محليون وعدد من رموز المجتمع المدني، فإن الاشتباكات تصاعدت لتطال مناطق محيطة بالمدينة، منها بلدة المزرعة، وامتدت إلى مداخل المدينة الغربية حيث دارت معارك ضارية. وتشير مصادر ميدانية إلى أن نحو 200 مسلح من العشائر دخلوا مواقع إستراتيجية كانت تحت سيطرة الفصائل الدرزية.
الرئاسة السورية تدخل على خط الأزمة
وفي تطور لافت، أصدرت الرئاسة السورية بيانًا دعت فيه جميع الأطراف إلى ضبط النفس، معتبرة أن أمن السويداء ووحدة السوريين خط أحمر لا يمكن تجاوزه. وأعلنت عن نيتها إرسال قوة متخصصة إلى المنطقة لفض الاشتباكات، بالتوازي مع إجراءات سياسية وأمنية لاحتواء النزاع.
وأكد البيان أن “سوريا دولة لكل أبنائها، من الطائفة الدرزية وقبائل البدو، وإن أي اعتداء على المدنيين يمثل تهديدًا مباشرًا لوحدة البلاد”. وأضاف أن القوات السورية ستدخل بشكل منظم ومدروس لضمان وقف إطلاق النار وإعادة الأمن.
تدهور الأوضاع الإنسانية
وزارة الصحة السورية أعلنت أن حصيلة القتلى ارتفعت إلى 260، بينما أصيب نحو 1700 شخص، ما يضع القطاع الصحي في المحافظة تحت ضغط غير مسبوق. وقالت منظمة الهلال الأحمر إن كوادرها تواجه صعوبات بالغة في الوصول إلى الجرحى ونقلهم إلى المستشفيات.
وفي السياق نفسه، أفادت منظمة “الخوذ البيضاء” بأنها فقدت الاتصال برئيس مركز الاستجابة الطارئة، حمزة العمارين، بعد أن أوقفه مسلحون خلال مهمة لإجلاء فريق تابع للأمم المتحدة. وطالبت المنظمة بالإفراج الفوري عنه محذّرة من استخدام مركبته التي تحمل شارات طبية وإنسانية.
تدخل إسرائيلي محدود يثير الجدل
في خطوة نادرة، أعلن مسؤول في الحكومة الإسرائيلية أن بلاده وافقت على دخول قوات أمن سورية إلى مناطق محددة من السويداء لمدة 48 ساعة، شريطة أن يكون ذلك بهدف ضبط الأوضاع ومنع الانفلات الأمني، وفق تعبيره. ويثير هذا التصريح تساؤلات حول الأبعاد الإقليمية للصراع المحلي، خاصة مع اتهامات غير مباشرة من دمشق بتورط قوى خارجية في تأجيج التوتر.
دعوات أممية ومخاوف من الانزلاق
مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، عبّر عن قلقه البالغ مما يجري، ودعا إلى وقف فوري لإطلاق النار، مؤكدًا على ضرورة حماية المدنيين ومحاسبة كل من يثبت تورطه في الانتهاكات.
كما حذرت منظمات حقوقية من خطر انزلاق السويداء إلى صراع أهلي أوسع، لا سيما في ظل وجود مؤشرات على تعبئة طائفية وخطاب إعلامي محتقن في بعض المنصات.
احتمالات المستقبل: تهدئة أم تصعيد؟
بين تحرك الرئاسة السورية، والضغوط الدولية، والمبادرات المحلية، يبقى مستقبل الأزمة رهين قدرة الأطراف على احتواء التصعيد ومنع تفجر الوضع إلى حرب أهلية داخلية. التحركات العسكرية الرئاسية القادمة ستكون حاسمة، إما في فرض تهدئة فعلية، أو في تعقيد المشهد إذا لم تحظَ بالتوافق المجتمعي المطلوب.
في هذه الأثناء، تتابع العواصم الإقليمية والدولية التطورات بقلق، وسط ترقب لمآلات الوضع في السويداء، الذي بات مرآة لعمق التصدعات الاجتماعية في سوريا، وإحدى أخطر تجليات الفوضى المزمنة التي تعاني منها البلاد منذ أكثر من عقد.
تعليقات 0