الصراع على الجنوب السوري.. التوسع التلمودي مقابل البراجماتية العلمانية في رؤيتي نتنياهو ولبيد

تشهد المنطقة الجنوبية من سوريا تصعيدًا عسكريًا إسرائيليًا متزايدًا، تمثل في سلسلة غارات جوية مكثفة استهدفت محافظة السويداء خلال الأسابيع الأخيرة.
و وفقًا لتقارير صحفية إسرائيلية من “هآرتس” و”واللا”. تزامنت هذه العمليات مع تحركات غير مسبوقة للطائفة الدرزية عبر الحدود السورية الإسرائيلية، ما أثار تساؤلات حول دوافع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وطبيعة الأجندة السياسية الكامنة.
رؤية توسعية مستندة إلى نصوص دينية
يستند بنيامين نتنياهو في سياسته الخارجية إلى مرجعيات أيديولوجية ، مستمدة من التفسيرات التوراتية والتلمودية التي تروج لفكرة “الحدود التاريخية لإسرائيل”.
وفقًا لتقارير وتحليلات أكاديمية، تبنى نتنياهو أفكار والده المؤرخ بن تسيون نتنياهو، الذي ربط الشتات اليهودي بـ”عداء متأصل لدى الشعوب المضيفة”، وهو ما يُترجم عمليًا في المطامع التوسعية نحو أجزاء من جنوب سوريا، خاصة الجولان وجبل الدروز، التي تعتبر “أرضًا موعودة” وفق هذه الرؤية .
وتجسدت هذه الأفكار في سياسات ملموسة، مثل الغارات المتكررة على محافظة السويداء السورية رغم غياب التهديدات الأمنية المباشرة، والتي فسرتها تقارير إسرائيلية كـ”هآرتس” و”واللا” كجزء من مخطط لخلق “منطقة عازلة” أو حتى ضم غير معلن .
التيار العلماني الواقعي عند يائير لبيد
في المقابل، يمثل يائير لبيد تيارًا علمانيًا يرفض توظيف الدين في السياسة، ويؤكد على ضرورة فصل الهوية الدينية عن الدولة.
وفقًا لبرنامج حزبه “هناك مستقبل”، فإن إسرائيل يجب أن تكون “دولة لجميع مواطنيها”، مع التركيز على الاستقرار الاقتصادي والاعتراف الدولي، ما يجعله ينتقد سياسات نتنياهو التوسعية، واصفًا إياها بـ”المشروع الشخصي لتحقيق خرافة توراتية”، محذرًا من تحويل الصراع إلى معركة دينية تهدد الأمن القومي وتستنزف الاقتصاد، حيث توقعت بيانات بنك إسرائيل خسائر قد تصل إلى 17 مليار شيكل في حال توسع النزاعات .
الموقف من القضية الفلسطينية وحل الدولتين
يُظهر نتنياهو رفضًا ثابتًا لحل الدولتين، وهو موقف عزز تحالفه مع التيار الديني القومي المتطرف بقيادة شخصيات مثل بتسلئيل سموتريتش، الذي صرح بأن “الجولان جزء لا يتجزأ من مملكة إسرائيل التاريخية” .
وفي المقابل، يُظهر لبيد دعمًا نظريًا لحل الدولتين لكنه يشروط أمنية صارمة، مثل ضمان “دولة فلسطينية سلمية لا تشكل تهديدًا”، متهمًا الفلسطينيين بعدم استيفاء هذه المعايير ، كما يرفض أي دور للسلطة الفلسطينية في غزة بعد الحرب، معتبرًا ذلك تهديدًا لائتلافه الحكومي .
العلاقات الدولية
تسبب تحالف نتنياهو مع اليمين المتطرف في توتر العلاقات مع الإدارات الديمقراطية الأمريكية، خاصة إدارة بايدن، التي ترى في سياسته “تغييرًا لهوية إسرائيل” وتعطيلًا لرؤيتها القائمة على “خفض التصعيد” في المنطقة .
وبلغ التوتر ذروته مع خطاب زعيم الأغلبية الديمقراطية في الكونغرس تشاك شومر، الذي طالب بإسقاط نتنياهو عبر انتخابات مبكرة.
و على النقيض، سعى لبيد خلال فترة حكومته القصيرة مع بينيت إلى إصلاح العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، حيث عُقد “مجلس الشراكة” بين الطرفين لأول مرة منذ عشر سنوات، مع التركيز على التعاون الاقتصادي والتكنولوجي بعيدًا عن الملفات السياسية الشائكة .
مواجهة أحادية مقابل العمل ضمن التحالفات
تعتمد رؤية نتنياهو للأمن على المواجهة المباشرة والتوسع العسكري، كما يتجلى في الهجمات على سوريا ورفض التنسيق الدبلوماسي مع دمشق، مدعومًا بتحذيرات المؤسسة العسكرية من أن هذه السياسات تستنزف الجيش وتضعف الجبهة الشمالية . في حين يتبنى لبيد مقاربة تشاركية، حيث يؤمن بالعمل خلف الكواليس مع الحلفاء مثل إدارة بايدن، معتبرًا أن “الثقة بنسبة 100%” مع الولايات المتحدة هي الضامن الحقيقي للأمن، ويراهن على التطبيع مع الدول العربية كأداة لاحتواء التهديدات .
صراع الهوية بين التوراتية والواقعية
يُختزل الصراع بين الرؤيتين في كونه معركة حول هوية الدولة: بين “إسرائيل التوراتية” التي تسعى لتحقيق الحدود الدينية التاريخية، و”إسرائيل الواقعية” التي تركز على الاستقرار الدولي والاقتصادي.
ووفقًا لمركز “ميتفيم” للدراسات، يمثل هذا الانقسام تحديًا وجوديًا يتجاوز السياسة ليصل إلى تعريف طبيعة الدولة، بينما يحذر لبيد من أن المشروع التوسعي لنتنياهو يهدد الاعتراف الدولي بإسرائيل، ويعمق انقساماتها الداخلية، خاصة في ظل التحذيرات الأمنية من حرب متعددة الجبهات .
تناقضات جوهرية بين الرؤيتين لا تقتصر على سياسات مرحلية، بل تشكل محددًا أساسيًا لمستقبل إسرائيل كدولة ومشروع سياسي في منطقة ملتهبة.
تعليقات 0