وداعًا زياد الرحباني.. رحيل أيقونة المسرح السياسي والموسيقى المتمرّدة
في العالم العربي

فقد العالم العربي، اليوم السبت، أحد أبرز أعمدته الفنية والمسرحية برحيل الموسيقار والمبدع اللبناني زياد الرحباني عن عمر ناهز 69 عامًا، بعد مسيرة إبداعية غنية ومثيرة امتدت لأكثر من أربعة عقود، شكّل خلالها حالة استثنائية في وجدان الشعوب العربية، وترك بصمة لا تُمحى في الموسيقى والمسرح والوعي السياسي.
وُلد زياد الرحباني في الأول من يناير عام 1956، لأسرة فنية من العيار الثقيل، إذ هو نجل الأسطورة فيروز والموسيقار الكبير عاصي الرحباني.
ومع أنه نشأ في كنف هذا الإرث العملاق، إلا أن زياد سرعان ما تمرّد على القوالب التقليدية، ليشق طريقه الخاص كفنان ناقد، مثير، وحادّ الذكاء، يُجيد العزف بالكلمات كما يُتقن تطويع الألحان.
لم يكن زياد مجرد موسيقار، بل كان صوتًا صادحًا بالوعي، ناقدًا شرسًا للسلطة والسياسات الطائفية، ومؤسسًا لمدرسة فنية مستقلة تمزج بين النكتة السوداء، والفلسفة الشعبية، واللحن الشرقي المطعّم بالجاز والأنماط الغربية.
أبدع زياد في المسرح السياسي الساخر، وقدّم مجموعة من أشهر المسرحيات التي لا تزال تُعرض حتى اليوم، مثل: “بالنسبة لبكرا شو؟”، “فيلم أميركي طويل”، “نزل السرور”، “شي فاشل”، و”لولا فسحة الأمل”، حيث جسّد من خلالها واقع المواطن اللبناني والعربي بعيون ناقدة وروح ساخرة تمزج الألم بالضحك.
كانت مسرحياته مرآة لزمن الحرب والخذلان والانقسام، لكنها في الوقت ذاته، كانت تنبض بالأمل، وبحث دائم عن المعنى في واقع يمور بالعبث.
على الصعيد الموسيقي، خاض زياد تجارب لحنية مبتكرة، وكتب ولحّن أغانٍ لفيروز بصوته ولصوتها، قدّمت روحًا جديدة للموسيقى اللبنانية، مثل “عودك رنان”، “كيفك إنت”، و”بما إنو”. كما تعاون مع فنانين شباب، وابتكر لونًا موسيقيًا يُحاكي هموم الإنسان العادي، وينقل نبض الشارع العربي بجمالٍ خشن.
أدخل الجاز والروك والعناصر الغربية إلى قلب المقامات الشرقية، ليس بهدف التجريب فقط، بل لتوسيع دائرة التعبير، وكسر المألوف في الموسيقى التقليدية.
لم يُخفِ زياد انتماءه اليساري الشيوعي، وكان من الفنانين القلائل الذين اتخذوا مواقف فكرية واضحة وجريئة، ورفض أن يكون مجرد صدى للسلطة أو ناطقًا باسم أحد. كانت أعماله الفنية دائمًا منحازة للناس، للفقراء، للضعفاء، وللقضايا الكبرى التي تشغل الإنسان العربي في ظل الحروب، والانقسامات، والأنظمة السلطوية.
رحيل زياد ليس فقط غياب فنان، بل هو أفول ظاهرة ثقافية متكاملة، قلّما يجود بها الزمن. وبرحيله، يطوي الفن العربي صفحة من التمرّد الجميل، والعبث الهادف، والعشق اللامتناهي للحقيقة المغلّفة بالسخرية.
تعليقات 0