2 أغسطس 2025 21:03
سيناء الإخبارية
سيناء الإخبارية

الجدران الوردية تشهد مأساة أطفال غزة.. صمت الجوع يخيم على أجنحة المستشفيات

في جناح علاج سوء التغذية بمستشفى ناصر في قطاع غزة، تتناقض الرسومات الكرتونية المبهجة على الجدران الوردية مع المشاهد المؤلمة التي تعيشها الأمهات وأطفالهن. هنا، حيث يفترش الأطفال الرضع أسرّتهم بلا حراك، لا مكان للبكاء أو الابتسامات، فقط صمتٌ ثقيل يعكس حالة الإعياء الشديد التي يعانونها بسبب الجوع. يقول الأطباء إن هذا الصمت علامة على توقف الأجساد الصغيرة عن العمل، وهو مشهد متكرر في الأماكن التي تعالج سوء التغذية الحاد.

زينة رضوان، أم الطفلة ماريا ذات العشرة أشهر، تصف حالة ابنتها التي لا تتحرك ولا تستجيب، ضحية لنقص الغذاء الذي يعاني منه القطاع منذ أشهر. تعجز زينة عن إرضاع طفلتها لأنها هي الأخرى تعيش على وجبة واحدة يومياً، في حين يصبح الحليب الصناعي والغذاء المناسب حلماً بعيد المنال. خلال خمسة أيام فقط من مراقبة صحافيي “رويترز” في المستشفى، دخل 53 طفلاً يعانون من سوء التغذية الحاد، وهو رقم يروي جزءاً بسيطاً من القصة الكبيرة التي يعيشها سكان غزة تحت الحصار.

المجاعة تطرق الأبواب

تفاقمت الأزمة الإنسانية في غزة بعد أن قطعت إسرائيل الإمدادات عن القطاع في مارس الماضي، رغم السماح ببعض المساعدات لاحقاً بقيود مشددة. والنتيجة كانت كارثية: نفاد المخزونات الغذائية، وانهيار النظام الصحي، ووصول معدلات سوء التغذية إلى مستويات غير مسبوقة. تقول وزارة الصحة في غزة إن 154 شخصاً، بينهم 89 طفلاً، لقوا حتفهم بسبب الجوع، معظمهم في الأسابيع الأخيرة. وتؤكد منظمات دولية أن “سيناريو المجاعة يحدث الآن”، فيما تواجه المستشفيات نقصاً حاداً في الإمدادات الطبية والأغذية العلاجية.

صراخ الأطباء: “نحتاج إلى كل شيء”

الدكتور أحمد الفرا، رئيس قسم الأطفال في مستشفى ناصر، يصف الوضع بأنه “كارثي بكل المقاييس”، الأطفال الذين يصلون إلى المستشفى يعانون من الهزال الشديد، وفقدان كتلة العضلات، وضعف المناعة الذي يجعلهم فريسة سهلة للأمراض. الطفلة وتين أبو أمونة، التي ولدت بصحة جيدة قبل ثلاثة أشهر، فقدت وزنها بدلاً من اكتسابه، وهي الآن تزن أقل من وزنها عند الولادة. أمها، ياسمين أبو سلطان، تشير بأسى إلى ذراعي ابنتها الرقيقتين، التي لا يتجاوز عرضهما عرض إبهامها، وتقول: “إذا استمرت هكذا، سأفقدها”.

المستشفيات تعمل فوق طاقتها

تعمل المراكز الطبية في غزة فوق طاقتها الاستيعابية، بينما تنفد الإمدادات الأساسية لعلاج سوء التغذية. منظمة الصحة العالمية تحذر من أن الوضع “حرج حقاً”، حيث يعاني آلاف الأطفال من سوء التغذية الحاد، بينما لا تتوفر سوى أربعة مراكز طبية قادرة على تقديم العلاج المناسب. بعض الأطفال، مثل زينب أبو حليب ذات الخمسة أشهر، يخسرون المعركة ضد الجوع والمرض، في حين يحاول آخرون، مثل ماريا، الصمود بعد تلقي علاج مؤقت.

جهود دولية متعثرة

رغم إعلان إسرائيل عن خطوات لزيادة المساعدات، مثل إسقاط المواد الغذائية جواً وفتح طرق أكثر أماناً، إلا أن المنظمات الدولية تؤكد أن هذه الإجراءات غير كافية لمواجهة الكارثة الإنسانية. وفي الوقت الذي تحاول فيه الأمم المتحدة والدول المانحة تعزيز المساعدات، تبقى حياة آلاف الأطفال معلقة بخيط رفيع، بين جدران المستشفيات الوردية التي تشهد على مأساة لا يعرف أحد متى ستنتهي.