الإفتاء في عصر الذكاء الاصطناعي.. مؤتمر عالمي بالقاهرة يضع خارطة المستقبل

انطلقت اليوم في القاهرة فعاليات المؤتمر العالمي العاشر للإفتاء، الذي تنظمه دار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن تستمر جلساته حتى غدٍ الأربعاء، تحت عنوان: “صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي”.

ويأتي المؤتمر كمنصة عالمية لبحث مستقبل الإفتاء في ظل الثورة التقنية، ومحاولة صياغة أطر ومعايير علمية تمكن المفتي المعاصر من الجمع بين التأصيل الشرعي وفهم الواقع الرقمي، واستيعاب التحديات التي تفرضها تقنيات الذكاء الاصطناعي على صناعة الفتوى.

على مدار اليوم الأول، ناقش المؤتمر خمسة محاور رئيسية، بدءًا من تكوين المفتي العصري، مرورًا بدور الإفتاء في عصر الذكاء الاصطناعي، وتحديات التقنية الحديثة، ووصولًا إلى كيفية توظيف الذكاء الاصطناعي في تطوير العمل المؤسسي الإفتائي، وانتهاءً باستعراض تجارب دولية في هذا المجال.

رؤية دار الإفتاء
افتتح الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء، فعاليات المؤتمر، مرحّبًا بضيوف مصر من العلماء والمفتين والخبراء، ومؤكدًا أن التحولات الرقمية تفرض على المؤسسات الدينية التعامل مع الذكاء الاصطناعي بوصفه أداة مساعدة وليست بديلًا عن المفتي.

وشدد على أن الخطر يكمن في الاعتماد على الخوارزميات الجامدة التي قد تنتج فتاوى فاقدة للبعد الروحي والمقاصدي، داعيًا إلى وضع أطر رقابية وأخلاقية صارمة تضمن أن تظل الفتوى نابعة من ضمير حيّ وفهم مقاصدي.

وتوقف مفتي الجمهورية عند قضية غزة، معتبرًا أن ما تتعرض له من عدوان ممنهج هو اختبار حقيقي لنبض الفقه وصدق كلمة الفتوى، محذرًا من الاستخدام المروع للذكاء الاصطناعي في العمليات العسكرية الإسرائيلية لاستهداف المدنيين، وداعيًا إلى ميثاق عالمي يضبط التقنية على أساس العدالة والرحمة.

مواقف متوازية
وفي كلمته، أوضح الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، أن الرشد هو القيمة المركزية التي ينبغي أن توجه التعامل مع الذكاء الاصطناعي، مشيرًا إلى أن هذه التقنية ليست مجرد محرك بحثي، بل صناعة ثقيلة تدخل في الطب والصناعة والتعليم والأمن السيبراني، وتتطلب من العلماء ضبط إيقاعها الأخلاقي.

أما الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، فقد أكد أن الفتوى صناعة علمية متكاملة، وأن الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يحل محل المفتي المؤهل، وإن كان يمكن أن يعينه في الوصول إلى المعلومات وتنظيمها وتحليلها، موضحًا أن الأزهر يعمل على صياغة وثيقة لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي تحت إشراف الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب.

تطلعات الغد
تستكمل جلسات المؤتمر غدًا بمناقشة متعمقة للمحاور المطروحة، وتقديم أوراق بحثية من مؤسسات دينية وعلمية عالمية، بهدف وضع رؤية شاملة لكيفية تسخير الذكاء الاصطناعي في خدمة الإفتاء دون التفريط في القيم الشرعية أو الهوية الدينية، بما يحافظ على مكانة الفتوى كأداة هداية وبناء ووعي.