4 سبتمبر 2025 06:27
سيناء الإخبارية
سيناء الإخبارية

إشاعة وفاة ترامب تكشف ازدواجية الإعلام الأميركي

اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية بشائعة وفاة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد أن غاب عن عقد مؤتمراته الصحافية لبضعة أيام، لتنتشر عبارات مثل “أين ترامب” و”مات ترامب” بشكل واسع. وقد ساهمت بعض المواقع الإخبارية في تغذية هذه التكهنات عبر نشر تقارير غير مؤكدة حول وضعه الصحي، قبل أن يخرج ترامب بنفسه لينفي كل تلك المزاعم مؤكداً أنه في “أفضل حالاته”.

وفي أول تعليق مباشر، اتهم ترامب وسائل الإعلام الأميركية بازدواجية المعايير، مشيراً إلى أن غيابه ليومين فقط فتح الباب أمام موجة شائعات كبيرة، بينما لم يثر غياب الرئيس السابق جو بايدن عن الأنظار لأسابيع أو أشهر التساؤلات نفسها. ويؤكد ترامب أن هذه الممارسات تكشف ما وصفه بانحياز الإعلام التقليدي ضده منذ سنوات.

الأزمة لم تقتصر على شخص ترامب، بل أعادت إلى الواجهة النقاش الأوسع حول كيفية تعامل الصحافة الأميركية مع صحة الرؤساء، إذ يرى مراقبون أن وسائل الإعلام الكبرى تجنبت الخوض في تفاصيل التدهور البدني والذهني لبايدن رغم كثرة الشواهد، مثل تعثره المتكرر على الدرج وارتباكه أثناء الخطب، وهي وقائع أقر بها حتى مقربون من المعسكر الديمقراطي. ويشير كتاب “الخطيئة الأصلية” لمذيع “سي أن أن” جيك تابر إلى أن فريق بايدن فكر في وضعه على كرسي متحرك لكنه تجنب ذلك حتى لا تتأثر فرصه الانتخابية.

وقد تعرض تابر نفسه لانتقادات بعد إقراره بأن الإعلام الأميركي، بما فيه هو شخصياً، ساهم في التهوين من وضع بايدن الصحي، مما سمح له بخوض انتخابات 2024 رغم تراجع قدراته. وتظهر شهادات من داخل البيت الأبيض أن بايدن كان ينسى أسماء مقربين منه مثل مستشاره مايك دونيلون، وحتى شخصيات عامة مثل الممثل جورج كلوني، وهو ما أحرج مساعديه مراراً. ولم تنكشف حقيقة هذه الحالة إلا مع المناظرة الشهيرة ضد ترامب في يونيو 2024، حين بدا بايدن عاجزاً عن الدفاع عن سياساته، ليعلن انسحابه بعد أسابيع قليلة فقط.

وبينما أثيرت تلك الشكوك حول بايدن بتكتم إعلامي، وجد ترامب نفسه هدفاً لحملة شائعات واسعة وصلت إلى حد تداول صور لعلم منكس في البيت الأبيض على أنها إشارة لوفاته، بينما كانت الحقيقة أنه أمر بتنكس الأعلام تكريماً لضحايا حادث إطلاق نار في مدرسة بمينيابوليس. كما جرى تداول صورة سيارة إسعاف أمام البيت الأبيض باعتبارها مؤشراً على أزمة صحية خطيرة، ليتضح لاحقاً أنها صورة قديمة تعود إلى عام 2023.

وبحسب بيانات “نيوزجارد”، فقد جرى تداول وسم “ترامب مات” أكثر من 104 آلاف مرة محققاً أكثر من 35 مليون مشاهدة، مما عزز من قوة الشائعة على الإنترنت. في المقابل، اكتفت بعض المنصات الإعلامية مثل “ذا هيل” و”نيويورك بوست” و”رولينغ ستون” بتغطية هذه المزاعم، فيما تجاهلتها صحف كبرى مثل “نيويورك تايمز” و”فوكس نيوز” و”أسوشيتد برس”.

المفارقة أن البيت الأبيض كان قد أعلن في يوليو الماضي إصابة ترامب بقصور وريدي مزمن، وهي حالة شائعة بين كبار السن، وقد بدت على يده وساقيه كدمات متفرقة ظهرت أحياناً مغطاة بالمكياج. وأوضح طبيبه أن تلك الكدمات نتيجة طبيعية لكثرة المصافحة وليس دليلاً على مرض خطير، مؤكداً أن ترامب يتناول الأسبيرين كإجراء وقائي فقط.

ويرى محللون أن هذه الأزمة تكشف هشاشة العلاقة بين الإعلام الأميركي والرأي العام في زمن المنصات الرقمية، حيث تتحول أي ثغرة أو غياب مؤقت إلى مادة خصبة للشائعات. كما أنها تبرز التناقض الواضح في المعايير الإعلامية بين التعامل مع بايدن الذي جرت محاولة التستر على مشكلاته الصحية، وبين ترامب الذي تحولت إشاعة عن وفاته إلى موجة ضخمة من الأخبار والتحليلات.

وبينما يعتبر البعض أن ترامب ضحية لحضوره الإعلامي المفرط الذي يجعل غيابه القصير مثيراً للتأويلات، يرى آخرون أن الأزمة الأعمق تكمن في فقدان الإعلام الأميركي لمعاييره المهنية الصارمة، وتورطه في حسابات سياسية تؤثر في مصداقيته على المدى الطويل.