5 سبتمبر 2025 07:12
سيناء الإخبارية
سيناء الإخبارية

شواطئ مصر بين الغرق والإهمال… إنقاذ غائب وأرواح في خطر

تشهد الشواطئ المصرية في السنوات الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في حوادث الغرق، وسط منظومة إنقاذ تعاني من أوجه قصور كبيرة، تبدأ من ضعف التأهيل وقلة التجهيزات، ولا تنتهي عند غياب الرقابة وانتشار الشركات غير المرخصة. ورغم الجهود التي يعلن عنها الاتحاد المصري للغوص والإنقاذ، فإن الواقع العملي يكشف اعتماد غالبية الشواطئ على منقذين صغار السن من الطلاب، يعملون برواتب زهيدة، ولا يملكون خبرة كافية أو أدوات حديثة، ما يجعل وجودهم أقرب إلى واجهة شكلية أكثر منه حماية فعلية للأرواح.

المشهد المأساوي الذي وقع منتصف أغسطس الماضي في شاطئ أبو تلات بالإسكندرية، حين ابتلع البحر سبعة طلاب دفعة واحدة، أعاد إلى الواجهة النقاش حول كفاءة فرق الإنقاذ في مصر. فبينما يُفترض أن يكون دور المنقذ هو مراقبة الشاطئ والتدخل السريع لإنقاذ الغرقى، تؤكد شهادات عديدة أن كثيراً من إدارات القرى السياحية يكلفون هؤلاء الشباب بمهام جانبية، مثل تنظيف الشاطئ أو خدمة المصطافين، بينما يفتقدون للأدوات الأساسية التي تدربوا عليها نظرياً، ليواجهوا الأمواج بصفارة وعوامة فقط.

وتكشف شهادات منقذين معتمدين أن بعض الشواطئ تعتمد على أفراد حصلوا على شهادات مزورة من شركات سمسرة غير مرخصة، تنظم دورات غير معتمدة وتمنح أوراقاً بلا أي قيمة حقيقية. ورغم أن الاتحاد المصري يشرف على دورات تدريبية بمعايير دولية، فإن شركات كثيرة تلجأ إلى الأرخص سعراً من دون النظر إلى الكفاءة، وهو ما يضع حياة آلاف المصطافين في خطر حقيقي كل صيف.

المشكلة لا تتوقف عند حدود ضعف الكفاءة، بل ترتبط أيضاً بالجانب المالي. إذ يرى أصحاب شركات الإنقاذ أن تحديد رواتب متدنية لا يسمح بجذب الكفاءات أو الالتزام بالمعايير العالمية التي تفرض عدداً محدداً من المنقذين لكل مساحة من الشاطئ. في بعض الحالات، بدلاً من توفير 50 منقذاً لشاطئ كبير، لا يتجاوز العدد 10، ويتم استكمال البقية بطلاب يقبلون بمبالغ زهيدة. ومعظم هؤلاء لا يمتلكون خبرة كافية، وبعضهم يخشى حتى النزول إلى المياه عند وقوع الحوادث.

ومن جانب آخر، تتداخل العوامل الطبيعية والمناخية في تعقيد الأزمة. فالتغيرات المناخية أدت إلى زيادة قوة الرياح وارتفاع الأمواج، بينما تسببت المعالجات العشوائية لظاهرة النحر البحري في تكوين ميول خطرة على الشواطئ. وغالباً ما تنفذ هذه الأعمال على أيدي مقاولين غير متخصصين يكتفون بردم الشواطئ بالرمال من دون دراسة، ما يؤدي إلى تيارات قوية، خصوصاً في ظل وجود جزر صناعية تسببت في ظاهرة “السحب العكسي”، وهي واحدة من الأسباب الرئيسة لحوادث الغرق الجماعي.

أما الوسائل الحديثة للإنقاذ، مثل الزوارق السريعة والجيت سكي، فهي شبه غائبة عن المشهد المصري. ويؤكد خبراء أن هذه الأدوات أساسية في تقليص معدلات الغرق، لكن تكلفتها المرتفعة – حيث يصل ثمن الجيت سكي إلى نحو 600 ألف جنيه – تجعل كثيراً من الشركات تحجم عن الاستثمار فيها. وفي المقابل، تعتمد الشواطئ على الأساليب التقليدية، رغم أن الوقت في عمليات الإنقاذ عامل فارق بين الحياة والموت.

الاتحاد المصري للغوص والإنقاذ يعلن سنوياً تخريج آلاف المنقذين، مؤكداً أنه يعتمد 14 اختباراً وفق المعايير العالمية قبل منح الاعتماد الرسمي. كما يشير إلى وجود “الكود المصري للمنقذ”، الذي يحدد معايير دقيقة لكل شاطئ من حيث العدد والأدوات والخطة الفنية. لكن هذا الكود يظل حبراً على ورق، لأنه لا يطبق بشكل إلزامي، ولا يملك الاتحاد سلطة معاقبة المخالفين. والنتيجة أن بعض إدارات الشواطئ تفضل التعاقد مع شركات غير مرخصة لمجرد انخفاض التكلفة، بينما يغادر كثير من المنقذين الأكفاء إلى الخارج بحثاً عن رواتب أفضل.

وبين شهادات الضحايا وتبريرات المسؤولين، تبدو الصورة قاتمة: منظومة إنقاذ بلا وسائل عصرية، منقذون بلا حماية كافية، وشواطئ تزداد خطورة مع التغيرات المناخية. ومع أن مصر أعلنت مبادرات مثل “مصر بلا غرقى”، فإن غياب الإلزام وتراجع التمويل يجعلانها أقرب إلى شعارات من دون أثر فعلي. وفي النهاية، يظل البحر شاهداً على حياة تُفقد كل صيف، في انتظار أن تدرك الجهات المسؤولة أن قضية الإنقاذ ليست ترفاً، بل مسألة وجود بين الحياة والموت.