15 سبتمبر 2025 05:43
سيناء الإخبارية
سيناء الإخبارية

من لاءات الخرطوم إلى بيانات التنديد… صراع عربي متكرر على أرض ثابتة

ثمانية عقود كاملة مرت على انطلاق شرارة الصراع العربي الإسرائيلي، ومع ذلك ما زال المشهد يتكرر وكأن الزمن متوقف عند ذات اللحظة الأولى. فمنذ نكبة عام 1948 وما رافقها من انكسارات عسكرية ونزوح جماعي للفلسطينيين، ظلّت المواقف العربية تتراوح بين لاءات صارمة ترفض الاعتراف والتفاوض والتطبيع، وبين بيانات تنديد غاضبة لا تحمل سوى وقع الخطابة، لتبقى النتيجة واحدة: خسارة أرض جديدة وتآكل ما تبقى من أوراق قوة. وبينما أجاد الإسرائيليون لعبة السياسة واستثمروا الزمن في تكريس وجودهم وفرض أمر واقع على الأرض، عجز العرب عن ترجمة شعاراتهم إلى خطوات عملية تحفظ حقوقهم وتردع خصومهم.

لقد كان مؤتمر الخرطوم عام 1967 مثالاً صارخاً على هذه الثنائية، حيث رفعت الدول العربية شعار “لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض”، بعد هزيمة قاسية في حرب الأيام الستة أفقدتهم سيناء والجولان والضفة الغربية والقدس الشرقية. ورغم أن الشعار بدا في حينه عنواناً لعزيمة صلبة، فإنه سرعان ما تحول إلى عبء يقيّد العرب أكثر مما يحررهم. فاللاءات الثلاث لم توقف التوسع الإسرائيلي، ولم تمنع بناء المستوطنات، ولم توقف الدعم الدولي لإسرائيل، بل منحت تل أبيب فرصة ذهبية لفرض رؤيتها دون شريك عربي قادر على المناورة السياسية.

التاريخ يروي أيضاً كيف أضاع العرب فرصاً سياسية متتالية، بدءاً من لجنة بيل عام 1937 التي اقترحت تقسيم فلسطين، مروراً بقرار الأمم المتحدة 181 عام 1947، وصولاً إلى اتفاقيات لاحقة كان يمكن أن تضمن للفلسطينيين اعترافاً بدولة ولو على جزء من الأرض. لكن إصرار الخطاب العربي على الرفض المطلق جعل هذه المحطات تتحول إلى مكاسب خالصة لإسرائيل. ومع كل رفض جديد كان العرب يخسرون أرضاً أو نفوذاً، بينما كانت إسرائيل توسع من حضورها وتنسج علاقاتها مع القوى الدولية الكبرى حتى أصبحت لاعباً أساسياً في المعادلة العالمية.

اليوم، ومع تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن “إسرائيل الكبرى” ورغبته في إعادة تعريف حدود الدولة على مقاس الأطماع التوسعية، تبدو الأسئلة أكثر إلحاحاً: هل أخطأ العرب حين جعلوا من لاءات الخرطوم قاعدة لمواجهتهم؟ وهل كان التمسك بالرفض المطلق سبباً في إضعاف الموقف الفلسطيني والعربي إلى هذا الحد؟ المشهد الراهن يكشف أن إسرائيل استطاعت أن تستثمر الزمن وتحوّل الفرص إلى مكاسب، فيما ظل العرب يدورون في فلك الخطابات والشعارات، بين قمة عربية وأخرى، وبيان تنديد يعقبه بيان أشد غضباً، دون أن يغير ذلك في واقع الحال شيئاً.

المفارقة أن الشعوب العربية لم تتوقف يوماً عن التمسك بالقضية الفلسطينية كقضية مركزية، لكن غياب الفعل السياسي الموحد جعل هذه العاطفة الكبيرة بلا سند واقعي. وما بين ضغوط اقتصادية داخلية وتوازنات إقليمية معقدة، تراجع الاهتمام العملي بالقضية، حتى صارت فلسطين بنداً ثابتاً في المؤتمرات والقمم، لكن بلا خطوات استراتيجية حقيقية.

ربما حان الوقت لمراجعة شجاعة للتاريخ، لا بهدف جلد الذات، بل من أجل إعادة صياغة رؤية واقعية تحفظ ما تبقى من الأرض والحقوق. فالخطاب وحده لم يعد يكفي، واللاءات وحدها لم تمنع التوسع الإسرائيلي، والتنديد وحده لم يوقف الاستيطان ولا الاعتداءات. يبقى السؤال المطروح بإلحاح: هل يمتلك العرب الجرأة للانتقال من منطق الرفض إلى منطق الفعل، أم سيظل الصراع مجرد دائرة مفرغة تتجدد مع كل جولة دون نهاية؟