25 سبتمبر 2025 05:07
سيناء الإخبارية
سيناء الإخبارية

حماس تراهن على ورقة الهدنة بعد سقوط قلب غزة

مع توغل الجيش الإسرائيلي في قلب مدينة غزة ضمن عملية “عربات جدعون 2″، وجدت حركة حماس نفسها أمام واقع ميداني جديد أكثر صعوبة، بعدما فقدت السيطرة الفعلية على أكبر مجمع حضري في القطاع، الأمر الذي جعلها تدرك أن استعادة هذه المناطق بات شبه مستحيل في ظل التفوق العسكري الإسرائيلي واستخدامه أحدث الأسلحة الذكية والروبوتات المفخخة في العمليات القتالية. هذا التحول دفع الحركة إلى إعادة حساباتها السياسية والعسكرية، واللجوء إلى خيار المفاوضات مجدداً عبر رسالة مباشرة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترمب

الرسالة التي سلمتها الحركة للوسيط القطري حملت مقترحاً واضحاً بوقف إطلاق النار لمدة ستين يوماً، مقابل الإفراج عن نصف المحتجزين الإسرائيليين، على أن تبدأ فوراً مفاوضات إنهاء الحرب برعاية وضمانة شخصية من الرئيس الأميركي. وأكدت حماس في رسالتها أن الضمان الأميركي المباشر هو الشرط الأساسي لضمان عدم تجدد القتال خلال فترة الهدنة وحتى التوصل إلى اتفاق شامل ينهي الحرب. هذه الخطوة جاءت بعد سلسلة من المبادرات السابقة التي طرحتها الولايات المتحدة منذ مارس الماضي، والتي لم تجد طريقها إلى التنفيذ، إما بسبب رفض حماس أو تعنت إسرائيل

الخسائر الميدانية الأخيرة كانت العامل الأبرز في تغيير موقف حماس، إذ أجبرتها إسرائيل على إخلاء أحياء واسعة من مدينة غزة ودفع السكان نحو الجنوب، لتفقد الحركة بذلك السيطرة على المجمعات السكنية الأساسية. وفي المقابل، روّجت الحكومة الإسرائيلية إلى خطة تفصل شمال القطاع عن جنوبه، مع تولي تل أبيب إدارة المناطق التي احتلتها حديثاً، وهو ما اعتبرته حماس تهديداً وجودياً لبقائها في المشهد السياسي والعسكري

المشهد لا يخلو من تعقيدات إضافية، فقد سبق أن حاولت الولايات المتحدة تمرير ثلاثة مقترحات للتهدئة كان أبرزها مبادرة ترمب المباشرة التي اشترطت إفراج حماس عن جميع المحتجزين دفعة واحدة مقابل وقف إطلاق النار وبدء مفاوضات شاملة. وبينما كانت قيادة الحركة تدرس هذا المقترح في الدوحة، استهدفتها غارة إسرائيلية، لكنها لم تؤد إلى تصفية وفدها كما كان مخططاً. هذا التطور ساهم في تعطيل المسار التفاوضي وفتح الطريق أمام العملية العسكرية الإسرائيلية الأوسع في غزة

الرسالة الجديدة إلى ترمب تمثل محاولة من حماس لإحياء مسار المفاوضات، إذ ترى أن تجاهلها أو تهميشها سيؤدي إلى اختفائها التدريجي من المعادلة السياسية. لذلك اختارت أن تكتب رسالتها إلى الرئيس الأميركي بشخصه، وليس إلى مكتبه أو إدارته، في خطوة تعكس إدراكها أن اللحظة الراهنة تتطلب اتصالاً مباشراً وصريحاً مع صانع القرار في واشنطن

تقديرات المراقبين تشير إلى أن الأيام العشرة المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مصير هذا المقترح، خصوصاً أن حماس تراهن على انخراط دول عربية في الاتصالات الجارية، وعلى رأسها السعودية، لإيجاد مخرج سياسي يوقف الحرب ويحافظ على ما تبقى من نفوذها في القطاع. غير أن العقبات ما زالت كبيرة، في ظل استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية وتشكيك أطراف دولية، من بينها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في إمكانية وقف الحرب بالمرحلة الحالية

في المحصلة، تعكس رسالة حماس لترمب تحوّلاً في استراتيجيتها بعدما فقدت زمام المبادرة ميدانياً، وهو تحول قد يفتح نافذة ضيقة أمام استئناف المفاوضات لكنه في الوقت ذاته يكشف حجم المأزق الذي تعيشه الحركة في ظل اختلال موازين القوى على الأرض وضغوط المجتمع الدولي والإقليمي.