مصر تُجيد إدارة الفيضان.. تخطى ارتفاع منسوب النيل بالمنوفية بدون خسائر
تجربة المنوفية دليل على كفاءة الدولة في حماية الأمن المائي وسلامة المواطنين

لم تكن الفيضانات الأخيرة في محافظة المنوفية مؤشراً لأزمة، بقدر ما مثلت انعكاسًا طبيعيًا لدورة نهر النيل السنوية وارتفاع منسوبه الموسمي. المساحات التي غمرتها المياه تقع في أراضي طرح النهر، وهي مناطق مخصصة لتصريف المياه خلال فترات ارتفاع المنسوب، وتعود إلى حالتها الطبيعية بعد انخفاض الفيضان.
الحكومة المصرية كانت مستعدة لمثل هذا المشهد بخطط استباقية وإجراءات ميدانية دقيقة تشمل جميع المحافظات المطلة على النيل، من المنوفية والبحيرة إلى سوهاج والأقصر.
وحذر رئيس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولي، مسبقًا المواطنين من التواجد على أراضي طرح النهر خلال موسم الفيضان، مؤكدًا أنها غير صالحة للإقامة أو الزراعة في هذه الفترة.
هذه التحذيرات جاءت بعد رصد معدلات التصريف القادمة من بحيرة ناصر وفتح بوابات سد النهضة الإثيوبي، وتأكيد زيادة منسوب المياه نتيجة السيول في السودان.
ووفق خبراء الري، فإن فتح بوابات السد العالي عملية معتادة لتخفيف الضغط على السد وتنظيم تدفق المياه داخل مجرى النيل، وقد تم تنفيذها خلال أواخر سبتمبر لتصل ذروتها في أكتوبر، المعروف تاريخياً بشهر الفيضان.
وفي المنوفية، كان المحافظ اللواء إبراهيم أبو ليمون في قلب الحدث، حيث تابع أعمال رفع الجسور وتأمين الممرات في مناطق مثل جزيرة أبو داوود وقرية دلهمو، وقام بتعلية الجسر الرئيسي وتزويده بالإنارة، إلى جانب دعم الأسر المتضررة وإعفاء المتضررين من الإيجارات السنوية بالتنسيق مع وزارة الري.
ولم تقتصر التحركات على المنوفية، بل شملت محافظات أخرى مثل البحيرة، حيث أصدرت المحافظة تعليمات برفع الجاهزية وتنفيذ خطة وقائية لضبط منسوب المياه في فرع رشيد، في حين شددت غرف الطوارئ في سوهاج والأقصر على المتابعة المستمرة والتنسيق بين الحماية المدنية ومديريات الري والزراعة لإخطار السكان بالإخلاء المؤقت.
ورغم تداول بعض الصور والفيديوهات التي أثارت ذعرًا على مواقع التواصل، أكد المتحدث باسم محافظة المنوفية، معتز حجازي، أن المنازل المتضررة غير مأهولة وغير صالحة للمعيشة، وأن تحذيرات الإخلاء قد صدرت مسبقًا، لكن بعض المخالفين لم يلتزموا بها.
وفي شهادة واقعية، أوضح نقيب الفلاحين حسين عبد الرحمن أبو صدام أن غمر الأراضي أمر متوقع وطبيعي، وأن المساحات المتضررة لا تتجاوز ألف فدان على امتداد الجمهورية، أغلبها أراضٍ غير مزروعة وتستخدم لمصارف موسمية، مؤكداً قدرة الدولة على مواجهة أي فيضان أو جفاف بفضل منظومة السد العالي.
وتعكس تجربة المنوفية فلسفة الإدارة المصرية الحديثة للأزمات الطبيعية: التحذير المبكر، التدخل الوقائي، والاستجابة الميدانية الفورية. أثبتت هذه التجربة جاهزية الأجهزة التنفيذية، وتنسيق غرف العمليات مع وزارة الري والتنمية المحلية، ما ضمن عدم وقوع خسائر في الأرواح أو الممتلكات.
يبقى الثابت أن مصر آمنة، وأن فتح بوابات السد العالي وإدارة منسوب المياه عملية هندسية دقيقة تُنفذ وفق خطط محكمة لضمان حماية البلاد من تقلبات الفيضان.
ما شهدته المنوفية ليس أزمة، بل دليل على كفاءة منظومة الإنذار المبكر والتنسيق بين مؤسسات الدولة.
ويؤكد هذا الحدث أن نهر النيل نظام بيئي متكامل يتطلب إدارة دقيقة ويقظة مستمرة، ومصر أثبتت مجددًا قدرتها على حماية النهر وصون حياة السكان على ضفتيه.
تعليقات 0