جامع الأقمر.. جوهرة فاطمية تتلألأ في قلب القاهرة بعد 9 قرون من البهاء والترميم

في قلب القاهرة الفاطمية، يتلألأ جامع الأقمر كدرّة معمارية فريدة تروي فصولًا من تسعمائة عام من التاريخ، بين جدرانٍ حجرية نُحتت بنور القمر وزخارف تحاكي عبقرية الفن الإسلامي في أوج تألقه.
يقع المسجد عند مدخل شارع النحاسين الشهير بـشارع المعز، بجوار موضع “بئر العظام” الذي كان جزءًا من أحد الأديرة القديمة، ليُصبح الأقمر أصغر مساجد القاهرة الفاطمية وأول جامع تُشيّد واجهته بالحجر.
شُيّد الجامع عام 1125 ميلادية (519 هـ) بأمر من الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله، ونفّذه الوزير المأمون بن البطايحي، ليخلّد بذلك تحفة معمارية تُعدّ أول واجهة حجرية في تاريخ عمارة المساجد المصرية، كما يشير المؤرخ المقريزي في خططه.
ويمتاز جامع الأقمر بتصميم هندسي بالغ الدقة، إذ أقيم على مساحة ضيقة تتقاطع مع شارعين، فجاء البناء بواجهة مائلة تتناغم مع اتجاه الشارع بينما بقي المحراب في اتجاه القبلة الصحيح. وسمّي “الأقمر” نظرًا إلى لون أحجاره البيضاء التي تعكس ضوء القمر على جدرانه، فصار كأنه قمرٌ حجريّ في سماء القاهرة.
تتزيّن واجهته بزخارف نباتية وهندسية وخطوط كوفية، تحوي آيات قرآنية وأسماء آل البيت، أبرزها قوله تعالى:«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا».
كما تنتشر على الواجهة سبع شموس حجرية محفورة، في إشارة رمزية إلى النور الإلهي والعلم، وهي من أبدع عناصر الفن الفاطمي التي ألهمت فيما بعد واجهات مساجد أخرى مثل جامع الحاكم بأمر الله وجامع الجيوشي.
يتكوّن المسجد من صحن صغير تحيط به ثلاثة أروقة من الجوانب، وأروقة القبلة الثلاثية المزيّنة بعقودٍ محمولة على أعمدة رخامية قديمة ذات تيجان مختلفة، تحكي تنوّع الأساليب الفنية في تلك الحقبة.
وفي أكتوبر 2022، شهد المسجد مشروع ترميم شامل بتكلفة 14 مليون جنيه بتمويل من طائفة البهرة، بإشراف المجلس الأعلى للآثار ووزارة السياحة والآثار، ضمن خطة الدولة لإحياء القاهرة التاريخية المدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو.
وقد أعيد افتتاحه رسميًا في 13 أغسطس 2023 في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، ليعود جامع الأقمر إلى الحياة، متلألئًا من جديد في قلب القاهرة كأحد رموز الفن الإسلامي الفاطمي وأيقونةً للتراث المصري الخالد
تعليقات 0