27 أكتوبر 2025 05:33
سيناء الإخبارية
سيناء الإخبارية

شيخ الأزهر: أقدر مواقف الشرفاء من أحرار العالم الذين اهتزت أصواتهم لاستنكار مجازر غزة

شيخ الأزهر يشيد بمواقف الشرفاء حول العالم ويؤكد ضرورة العدل والسلام الدولي

شارك فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين في القمة العالمية التي عقدتها جمعية سانت إيجيديو بالعاصمة الإيطالية روما تحت عنوان اللقاء العالمي من أجل السلام إيجاد الشجاعة لتحقيق السلام، بحضور الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا وجلالة الملكة ماتيلد ملكة بلجيكا، وأبرز القادة الدينيين والمفكرين من حول العالم.

وفي كلمته، أكد فضيلته أن مفهوم العدل المطلق هو القاعدة الذهبية التي قامت عليها السماوات والأرض وجعلها الله ضامنة لحقوق الإنسان في المساواة والحرية والكرامة والأمان والسلام والإخاء الإنساني بين البشر على ما بينهم من فوارق العرق والجنس واللون والدين واللغة.

وأوضح شيخ الأزهر أن إغفال الحضارة المعاصرة عن عمد لهذه القيم تسبب في الحروب العبثية التي فرضت على شعوب فقيرة لا تملك من العدة والعتاد ما ترد به أيدي المعتدين من قساة القلوب ومتحجري الضمائر والساهرين على كرامة الإنسان، ومن حرمته التي حذر الله من المساس بها في كتبه السماوية ووحيه المقدس، إضافة إلى الأزمات الاقتصادية كالفقر والبطالة والمجاعة وتقسيم العالم إلى شمال ثري مترف وجنوب فقير مثقل بالحروب والمجاعات وبالديون والأمراض والأوبئة، وأزمات بيئية ناتجة عن استنزاف الموارد الطبيعية، وغير ذلك من منغصات العيش ومكاره الحياة.

وأضاف فضيلته أن الأزمات الاجتماعية التي تترصد الشعوب وتعبث بعقائدها ومقدساتها وثوابتها الدينية والأخلاقية، ولا تكف عن تربصها بمؤسسة الأسرة، وتصدير بدائل شاذة تنكرها الأديان والأخلاق، وتنفّر منها الأذواق السليمة الصحيحة وترفضها الفطرة الإنسانية التي توارثها الناس من عهد آدم عليه السلام إلى يومهم هذا.

وبين فضيلته أن ما ينقص إنسان هذا العصر هو أخلاق العدل والعدالة التي أدى غيابها إلى اضطراب شديد في المفاهيم والمعايير الفارقة بين حدود الخير والشر والحسن والقبح والصواب والخطأ حتى صار أمرًا مألوفًا أن نرى الظلم، وقد تزين بزي القانون والتسلط والهيمنة وغطرسة القوة تفرض على الفقراء والضعفاء باسم النظام العالمي والمآسي، وانتهاك الحرمات يبرر بدعوى المصالح والأغراض.

وتابع فضيلته أن لنا في الحروب التي ابتلي بها شرقنا الآمن لعبرة فهذه الحروب ما إن تبدأ شرارتها الأولى حتى تبدأ معها متواليات من الدواهي والفظائع من هدم للدور على رؤوس قاطنيها، وتشريد لآلاف النساء والشيوخ والشباب، وتجويع للأطفال حتى الموت، وتمتع بانتهاك كرامة الإنسان والتنكيل به على مرأى ومسمع من العالم المتحضر في قرنه الواحد والعشرين، وبئست حرية تصادر على الضعيف حقه المقدس في الحياة على أرضه، وبئست عدالة تسمح باقتراف هذه المنكرات وتسوغها.

وأكد شيخ الأزهر تقديره للدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية خلال اجتماعات الأمم المتحدة الأخيرة؛ حيث قال فضيلته لا يفوتني في هذا المقام أن أعرب عن خالص التقدير للدول التي بادرت إلى الاعتراف بدولة فلسطين، وأحييها على هذه الشجاعة التي تجسد صحوة الضمير الإنساني، وانتصاره للحق الفلسطيني المسلوب، وكلنا أمل أن يكون هذا الاعتراف خطوة عملية على طريق تمكين الشعب الفلسطيني من نيل حقوقه المشروعة، وفي مقدمتها إقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف.

وأشار فضيلته إلى أن المجتمع الدولي اليوم مجمع على أن حل الدولتين هو الطريق الوحيد لتحقيق السلام بالمنطقة والعالم، ولا سلام في الشرق الأوسط بدون إقامة الدولة الفلسطينية.

وشدد فضيلته كذلك تقديره لمواقف الشرفاء من أحرار العالم نساء ورجالًا وأطفالًا وشيوخًا في كثير من أقطار العالم الذين اهتزت أصواتهم لاستنكار مجازر غزة، التي أبكت قلب الإنسان، وذبحت ضميره وسوّدت صفحة التاريخ الحديث.

وأكد فضيلته أن هذا المشهد الذي يجثم على صدورنا منذ أكثر من عامين ليكشف عن خلل خطير في بنية النظام الدولي، واضطراب بالغ في سياساته وأن السلام الدولي بات أمره رهناً بموازين القوة وعنفوانها، وتجارة الأسلحة ومكاسبها والحروب واقتصاداتها، وكل ذلك في معزل تام عن ميزان الحق والإنصاف وعن صوت الواجب ونداء الضمير وتوجهات الفطرة التي فطر الله الناس عليها، ومنطق العقل الذي جعله الله أعدل الأشياء قسمة بين الناس.

وشدد شيخ الأزهر على أن هذه الأزمات المركبة إن دلّت على شيء فإنما تدل على اضطراب شديد أصاب النظام العالمي، وأفقده الاتجاه الصحيح، وجرأه على الكيل بمكيالين بل بمئة مكيال إن لزم الأمر، وإن هذه العلة أو هذا المرض الخلقي الذي أصاب العدالة الدولية في مقتل لا يمكن تفسيره إلا على أساس العنصرية البغيضة والطغيان في الأرض، وهو ما يتنافى جذريًا مع قوانين العدل المطلق الذي أرسى قواعده الإسلام الذي أومن به بل أرسته جميع الرسالات الإلهية من قبله، وآمن به كبار الفلاسفة من أفلاطون وأرسطو مروراً بالفارابي وابن رشد وصولًا إلى فلاسفة أوروبيين معاصرين آمنوا بأخلاق الواجب والضمير الإنساني الخالد.

وتابع فضيلته علينا أن نعلم أنه عندما يغيب العدل فإن الظلم يحل محله ومع مظالم الناس تغيب القيم، وتتلاشى ويفقد الإنسان إنسانيته تحت أقدام المصالح والأطماع المادية الهابطة والاستقواء والاستئساد الكاذب، وحين يسلب الضعيف حقه ويكرم الظالم على استلاب هذا الحق، وحين يغدو الإنسان رقمًا تافهًا في حسابات السياسة وسلعة رخيصة في اقتصاد السوق عند ذلك ندرك أن الحق قد غربت شمسه وأن العالم يهوي في فراغ أخلاقي ينذر بانهيار الأنظمة قبل انهيار قيمها وأخلاقها.

وأضاف فضيلته ولأجل ذلك تحرك الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين وحاضرة الفاتيكان لإطلاق وثيقة الأخوة الإنسانية التاريخية التي وقعتها مع أخي الراحل قداسة البابا فرنسيس في أبو ظبي عام 2019، وقد أوضحنا فيها أن السلام ليس أمرًا سلبيًا يتمثل في غياب السلاح فهذا مما لا سبيل إليه بحال بل هو أمر إيجابي ووجودي يتمثل في حضور العدل، وبينّا أن العدل ليس انتصارًا لطرف على آخر وإنما هو انتصار للإنسان على نوازع الأنانية والهيمنة والأطماع المادية التي تسيطر على مسرح حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والسلوكية.

ولفت فضيلته إلى أن الذكاء الاصطناعي أصبح إحدى القوى المحركة، التي تحدث فارقًا كبيرًا في المجتمعات، ولذا علينا دورًا أخلاقيًا يتمثل في تسخير هذه التقنية لبناء مستقبل أكثر إنصافًا وعدالة للبشرية، وعلينا أن ندرك أن حراسة قيمنا ومواريثنا الروحية والدينية.