16 نوفمبر 2025 21:37
سيناء الإخبارية
سيناء الإخبارية

تحقيقات إيطاليا تعيد فتح ملف “قناصة نهاية الأسبوع” وتكشف تجارة دم استمرت فوق سراييفو

يعيد ملف “قناصة نهاية الأسبوع” الظهور مجددا في أروقة القضاء الأوروبي، بعد أن فجرت شهادات جديدة ضابط استخبارات بوسني سابق، لتعود واحدة من أظلم صفحات حصار سراييفو إلى الواجهة، فمع توسع التحقيقات الإيطالية واعتمادها وثائق وشهادات أرشيفية، يتكشف جانب صادم من الحرب البوسنية، حيث تحولت مرتفعات المدينة خلال التسعينيات إلى منصات مدفوعة الثمن لاستهداف المدنيين، في ممارسة صنفت لاحقا بأنها إحدى أبشع صور “السياحة الحربية”.

نشرت صحيفة N1 البوسنية أن ضابط استخبارات بوسني سابق كشف تفاصيل صادمة حول قضية “قناصة نهاية الأسبوع”، موضحا أن القوات الصربية البوسنية احتفظت خلال حصار سراييفو بقائمة أسعار مخصصة للأجانب الراغبين في إطلاق النار على المدنيين، وأن قتل الأطفال كان الأعلى تكلفة بين الفئات العمرية، الأمر الذي أثار موجة غضب واسعة لدى الناجين وأسر الضحايا الذين اعتبروا أن هذه الشهادات تعيد فتح أحد أكثر فصول الحرب قتامة.

وفي السياق ذاته، ذكرت بعض القنوات أن القنصل البوسني في ميلانو أكد وجود تعاون كامل بين حكومة البوسنة والهرسك والنيابة الإيطالية، من خلال تسليم وثائق أرشيفية وشهادات رسمية تدعم التحقيق الجاري في ميلانو، مشيرا إلى أن هذا الملف يمثل جرحا إنسانيا لم يعالج رغم مرور أكثر من ثلاثة عقود.

كما نقلت صحيفة La Repubblica الإيطالية أن النيابة العامة في ميلانو وسعت دائرة التحقيق لتشمل خمسة إيطاليين على الأقل يشتبه في مشاركتهم فيما وصفته بـ“السياحة الحربية”، موضحة أن هؤلاء الأفراد — بعضهم من الأثرياء — تنقلوا من ترييستي إلى بلغراد ثم سراييفو للمشاركة في عمليات قنص استهدفت المدنيين، وقد تم تصنيف هذه الأفعال تحت بند القتل العمد بدوافع غير إنسانية.

وذكرت صحيفة ANSA أن النيابة في ميلانو فتحت رسميا تحقيقا واسعا تحت عنوان “القناصة في عطلة نهاية الأسبوع”، استنادا إلى بلاغ من سبعة عشر صفحة أعدّه الكاتب إيزيو غافازيني بدعم من محامين مختصين، ويضم شهادات ووثائق تشير إلى أن هذه “الرحلات القاتلة” نُفذت من مواقع مرتفعة حول سراييفو، حيث استهدف القناصة النساء والأطفال خلال واحدة من أطول فترات الحصار في تاريخ أوروبا الحديث.

وأضافت صحيفة La Repubblica في تقرير آخر أن بعض المواقع السياحية البانورامية في تلال سراييفو كانت نفسها مواقع القناصة خلال التسعينيات، ومنها جرى إطلاق النار باتجاه شارع “Sniper Alley” الذي شهد سقوط مئات الضحايا من المدنيين، بينهم نحو ستين طفلا.

وأفادت الصحيفة أيضا بأن شهادات جديدة تؤكد أن جهاز المخابرات الإيطالية “Sismi” كان على علم منذ عام 1993 بوجود إيطاليين يلتقون بالقوات الصربية في تلك التلال، وأنه تحرك لاحقا لمنع استمرار هذه الرحلات.

ووفق موقع AgenSIR، فإن الأدلة التي يجمعها المدعون الإيطاليون تشمل شهادات ميدانية ووثائق وأفلاما أرشيفية، وتشير إلى أن بعض المتورطين ينتمون لطبقات اجتماعية غنية، ويميلون إلى الفكر اليميني المتطرف، ويهوون استخدام الأسلحة، وقد حصلوا على تسهيلات للوصول إلى مواقع القنص مقابل مبالغ مالية.

كما نشرت صحيفة Il Giorno تصريحات للناشطة البوسنية منسورا بوريدج، وهي صحفية وصانعة أفلام، معتبرة أن فتح التحقيق يمثل خطوة نحو العدالة، ومؤكدة أن “الصيادين البشريين تحولوا اليوم إلى فريسة للعدالة”، في إشارة إلى المشتبه بهم الذين بدأوا يخضعون للمتابعة القضائية.

وأشارت صحيفة El País في تقارير سابقة إلى أن الوثائق الحالية تتقاطع مع ما ورد في الفيلم الوثائقي “Sarajevo Safari”، الذي يتضمن شهادات لجنود صرب بوسنيين وضباط استخبارات بوسنيين سابقين تحدثوا عن تنظيم رحلات مدفوعة لأجانب بهدف إطلاق النار على المدنيين من مواقع محصنة فوق المدينة، الأمر الذي يدعم المسار الذي تتبعه النيابة الإيطالية اليوم.

كما تفيد أحدث التقارير الأوروبية بأن النيابة العامة في ميلانو تستعد لاستدعاء عدد من الشهود الرئيسيين، بمن فيهم ضباط استخبارات سابقون من البوسنة، للتحقق من قدرة السلطات القضائية على ملاحقة المتورطين بعد مرور ثلاثة عقود على وقوع الجرائم.

وبينما تتفاعل هذه التطورات على المستوى الدولي، ترى منظمات مدنية بوسنية أن إعادة إحياء الملف خطوة أساسية لمحاسبة المشاركين في “ترفيه الدم” وإنصاف ضحايا الحصار الأكثر وحشية في تاريخ أوروبا المعاصر.