18 نوفمبر 2025 22:13
سيناء الإخبارية
سيناء الإخبارية

“أمّ الزيتون”.. شجرة فلسطينية تتحدى الأسلاك الشائكة والقرون الطويلة

وتصمد كأيقونة هوية في قلب الضفة

على مسافة لا تتجاوز بضعة أمتار من الجدار الفاصل الذي يعلوه السلك الشائك، تقف واحدة من أقدم أشجار الزيتون في العالم، شامخة في قرية الولجة جنوب القدس، متجذرة في أرضٍ عركتها الحروب وتوارثتها الأجيال.

إنّها “زيتونة البدوي”، الشجرة التي يُقدَّر عمرها بين 3000 و5500 عام، وتُعتبر بالنسبة للفلسطينيين أكثر من مجرد شجرة: إنها ذاكرة وبيت وراية صمود.

“هذه ليست شجرة.. هذا تاريخ”

تحت شمس تشرين، يجلس المزارع صلاح أبو علي (52 عامًا)، حارس الشجرة المعيّن من وزارة الزراعة الفلسطينية، ويقطف ثمار الزيتون بملامح تفيض فخرًا وطمأنينة.

يقول: “نحن لا نتحدث عن شجرة.. نتحدث عن حضارة مقدّسة، عن تاريخ لم ينكسر”.

وقد صمدت الشجرة أمام العوامل المناخية والاضطرابات السياسية، مثلما صمدت أمام الجدار الذي فصل نصف أراضي القرية عن أصحابها.

واحة صامتة وسط العاصفة

حول جذعها العملاق الذي يبلغ قطره 25 مترًا، تمتد فروع ضخمة أطلق أبو علي على بعضها أسماء أفراد عائلته. في هذه البقعة الهادئة، أصبحت الشجرة مقصدًا للزائرين الباحثين عن لحظة سلام وسط واقع مشتعل.

رغم أنّ قرية الولجة نجت نسبيًا من هجَمات المستوطنين هذا الموسم، فإن الضفة الغربية شهدت،وفق هيئة مقاومة الجدار والاستيطان،أكثر من 2350 اعتداء خلال شهر واحد، شملت مزارعين ومتطوعين وحقول زيتون.

زيت “أغلى من الذهب”

تنتج “أم الزيتون” بين 500 و600 كيلوغرام من الثمار سنوياً، ويصف أبو علي زيتَها بأنه “ذهب أخضر” تفوق قيمته أسعار زيت المناطق الأخرى بخمسة أضعاف.

كلما تقدّم عمر الشجرة، زادت جودة زيتِها؛ هكذا يقول المزارعون، وهكذا يؤكد التاريخ.

رمز لا يُقلَع

قصة الولجة ليست زراعية فحسب؛ بل سياسية كذلك. فمنذ عام 1949 صودرت مساحات واسعة من أراضي القرية، ومع اتفاقات أوسلو أصبح معظم ما تبقى ضمن المنطقة (ج) الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة.

ويشرح رئيس المجلس القروي خضر الأعرج: “في الولجة، تختصر كل ممارسات الاحتلال: الجدار، المصادرات، الهدم، المستوطنات، والإغلاقات”.

ورغم كل ذلك، تظل الشجرة،المسجلة كمعلم طبيعي فلسطيني،شاهدة على عمق جذور الفلسطينيين في أرضهم.

أنا قطعة منها

بينما دوّن الزوّار كلمات امتنان بلغات العالم في دفتر أبو علي، تتراجع أعداد السيّاح بفعل الحرب على غزة وكثرة الحواجز. لكنّ المزارع الذي كرّس حياته لحراسة الشجرة يكتفي بالقول: “أنا صرت جزءًا منها. لا أرحل عنها ولا تتركني”.