حضارة البداري.. البذور الأولى لمصر ما قبل الأسرات ونشأة الدولة المصرية

قبل أن يظهر ملوك مصر الأوائل على جدران المعابد والبرديات، مر وادي النيل بمرحلة طويلة تُعرف بـ “مصر ما قبل الأسرات”، حيث تشكلت البذور الأولى للحياة المستقرة من الزراعة والاستيطان والفن والتجارة وصولًا إلى ظهور الدولة الموحدة وبناء الحضارة المصرية القديمة.
تمتد فترة مصر ما قبل الأسرات من نحو 5500 ق.م حتى 3100 ق.م، وهي المرحلة التي انتقل فيها المجتمع من عصور الحجر إلى مجتمع زراعي مستقر، قبل ظهور أقدم الملوك نحو 3100 ق.م.
لم تكن مصر في تلك المرحلة حضارة واحدة، بل مجموعة من الثقافات الإقليمية المتوازية، أبرزها:
الحضارة البداريّة (4400–3800 ق.م)
نقادة بمراحلها الثلاث في صعيد مصر (4000–3000 ق.م)
ثقافات مرمدة بني سلامة، فيوم A، والمعادي–بوتو في الدلتا
رغم اختلاف الفخار وطقوس الدفن وأشكال البيوت، اتحدت هذه الثقافات في الاعتماد على الزراعة والقرى المستقرة.
تكشف الأبحاث الأثرية أن دلتا النيل ومنطقة الفيوم شهدتا أقدم القرى الزراعية في مصر، مع زراعة القمح والشعير منذ نحو 4500–4200 ق.م، إلى جانب أنظمة بسيطة لتخزين الحبوب، ما مهّد لنمو القرى وتشكيل سلطة مركزية لاحقًا.
المقابر الكبيرة في نقادة تدل على نشوء نخبة محلية وظهور الزعامات الأولى، بينما الفن المبكر ظهر من خلال رؤوس طينية وتماثيل صغيرة تعكس اهتمامًا بالهيئة الإنسانية والزخرفة، مما مهد لاحقًا للفن المصري الكلاسيكي.
أظهرت التحليلات الأثرية وجود مواد مستوردة مثل اللازورد من أفغانستان وفخار متأثر ببلاد الشام، ما ساهم في بناء ثراء النخبة.
كما كان تدجين الحمار عنصرًا أساسيًا في تطوير شبكات النقل، لنقل الفائض الزراعي بين القرى وتعزيز التجارة.
في أواخر ما قبل الأسرات، ظهرت الكتابة المصرية المبكرة، مع ألواح عاجية وأختام في مقبرة U-j بأبيدوس (3320–3150 ق.م)، وسُخرت لتسجيل السلع والأسماء والأماكن، قبل أن تصبح لغة للدين والأدب.
انتشار ثقافة نقادة وظهور زعماء محليين مهّد لعملية توحيد القطرين على يد الملك نارمر نحو 3000–3100 ق.م، لتبدأ الأسرة الأولى وينتهي عهد ما قبل الأسرات، معلنًا بداية أول دولة قومية في التاريخ.


تعليقات 0