نصيب الشرق الأوسط يتقلص.. الولايات المتحدة تعيد رسم أولوياتها بعد استراتيجية «أميركا أولا»

في تحول استراتيجي واضح المعالم، وجهت واشنطن بوصلتها السياسية والعسكرية نحو غرب الكرة الأرضية، معلنةً تراجعاً ملموساً في أولوية منطقة الشرق الأوسط ضمن أجندتها الخارجية.
وجاء هذا التوجه في استراتيجية الأمن القومي الأميركي التي أعلنها البيت الأبيض، والتي تضع تعزيز النفوذ في الأميركتين على رأس قائمة الأولويات، في حين تصف العلاقة مع الشرق الأوسط بأنها في طريقها للتحول من “مصدر أزمات” إلى “ساحة شراكة واستثمار”.
وترتكز الرؤية الجديدة على تحديث “مبدأ مونرو” التاريخي بما يُعرف بـ”الملحق الترمبي”، لتعزيز الدور الأميركي في نصف الكرة الغربي ومواجهة النفوذ الأجنبي المتزايد هناك، خاصة من قبل منافسين دوليين.
ويعكس هذا التحرك قناعةً في واشنطن بأن سنوات الاهتمام المركز بالشرق الأوسط قد أتاحت لقوى أخرى توسيع وجودها بالقرب من حدودها.
وفيما يتعلق بالمنطقة العربية، اعترفت الوثيقة بأن الشرق الأوسط ظل لأكثر من نصف قرن أولوية مطلقة لواشنطن، بسبب ثرواته النفطية وكونه ساحة للتنافس بين القوى العظمى.
إلا أنها أشارت إلى تغير هذه المعادلة، حيث تنوعت مصادر الطاقة عالمياً وأصبحت الولايات المتحدة نفسها مصدراً صافياً لها، كما تراجع مستوى التنافس الدولي في المنطقة.
وأوضحت الاستراتيجية أن النزاعات الإقليمية، وإن كانت لا تزال “العامل الأكثر إزعاجاً”، إلا أن حدتها تقلّ مقارنةً بما يصوره الإعلام.
وخصصت الوثيقة جزءاً للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، معتبرة إياه “معقداً”، لكنها رأت أن وقف إطلاق النار الذي تم التفاوض عليه سابقاً قد فتح باباً لتهدئة أطول أمداً.
كما تناولت الملف الإيراني، مشيرة إلى تراجع قدرات طهران الزعزعة للاستقرار، بما في ذلك برنامجها النووي، نتيجة الضربات الإسرائيلية والعملية العسكرية الأميركية “مطرقة منتصف الليل” في يونيو 2025.
ورغم التراجع النسبي في الاهتمام، حددت الاستراتيجية مصالح أميركية ثابتة في الشرق الأوسط، تشمل تأمين منابع الطاقة وحرية الملاحة في الممرات المائية الحيائية مثل مضيق هرمز والبحر الأحمر، ومكافحة الإرهاب، وضمان أمن إسرائيل، وتوسيع نطاق “اتفاقيات إبراهيم”.
لكنها شددت على أن تحقيق هذه الأهداف يجب أن يتم دون الانخراط مجدداً في “حروب بناء الدول” التي وصفتها بالفاشلة.
وبدلاً من ذلك، دعت الوثيقة إلى تعاون عملي مع دول المنطقة “كما هي”، وعدم فرض نماذج إصلاحية من الخارج، مع التركيز على دعم المبادرات الداخلية لمكافحة التطرف.
وأشارت إلى فرص اقتصادية واعدة في الشرق الأوسط تتجاوز قطاع الطاقة التقليدي إلى مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والتقنيات الدفاعية، يمكن لواشنطن الاستفادة منها بالشراكة مع حلفائها.


تعليقات 0