19 ديسمبر 2025 17:15
سيناء الإخبارية
سيناء الإخبارية

 رحلة المسلات المصرية إلى أوروبا.. معجزة هندسية وصراع مع البحار

لم تكن المسلات الفرعونية التي تنتصب اليوم في عواصم أوروبية مجرد قطع أثرية تُنقل ببساطة، بل كانت تحديات هندسية عملاقة تزن مئات الأطنان، وتختبر إرادة الإنسان وقدرته التقنية.

في القرن التاسع عشر، تحول نقل هذه المسلات من مصر إلى أوروبا إلى مشاريع ضخمة، تموّلها أحياناً الحكومات وأحياناً أفراد طموحون، حيث تتداخل الدبلوماسية والرغبة في الاستعراض الرمزي مع المخاطر الهندسية والمخاوف البحرية، لتكتب فصولاً من التاريخ تروي كيف انتقلت هذه الحجارة المهيبة عبر البحر لتستقر في ميادين باريس ولندن وروما.

 

النقل كتحفة هندسية: من النصب إلى الشحنة البحرية
تحولت عملية نقل المسلة من موقعها الأصلي إلى إعادة إقامتها في أوروبا إلى معركة هندسية متكاملة، شملت العملية إنزال المسلة بحذر شديد، وتغليفها وحمايتها، ثم جرّها إلى النهر أو الميناء، ووضعها على سفن مُعدلة أو مُصممة خصيصاً، وأخيراً رفعها في موقعها الجديد. لم تكن التكلفة المادية فقط هي العائق، بل التعقيد التقني وضخامة الكتل الجرانيتية التي وصل وزن بعضها إلى 200 طن.

باريس: مسلة الأقصر على سفينة “الأقصر” الخاصة
يعد نقل مسلة الأقصر إلى باريس أحد أبرز الأمثلة على هذا الجهد. بعد قرار إنزالها عام 1831، نُقلت على سفينة بُنيت خصيصاً لهذه المهمة وأطلق عليها اسم “الأقصر”، ووصلت إلى العاصمة الفرنسية عام 1833، لترفع في ميدان الكونكورد عام 1836. بلغت التكلفة أرقاماً ضخمة بالنسبة لذلك الزمن، مما يفسر عدم نقل المسلة الثانية المقررة لباريس.

لندن: إبرة كليوباترا” ورحلة بحرية كادت تكون كارثية
قدمت مسلة “إبرة كليوباترا” إلى بريطانيا عام 1819، لكنها بقيت في الإسكندرية لعقود بسبب تردد الحكومة في تحمل تكاليف النقل. لاحقاً، تولى الطبيب السير وليام جيمس إيراسموس ويلسون تمويل العملية، حيث جرى تغليف المسلة داخل أسطوانة حديدية ضخمة صممت لتكون عوامة تُجر عبر البحر.

أثناء الرحلة في أكتوبر 1877، هاجمت عاصفة عنيفة السفينة في خليج بسكاي، مما أدى إلى فقدان ستة من طاقم الإنقاذ واعتُقد أن الأسطوانة غرقت، قبل أن تظهر لاحقاً وتسحب إلى لندن، لترفع في موقعها الحالي على الواجهة النهرية عام 1878.

روما: سابقة تاريخية في نقل المسلات
تمثل روما المتحف الأكبر للمسلات المصرية خارج مصر، حيث نقل الرومان العديد منها عبر البحر المتوسط منذ قرون، اعتمد الرومان على سفن شحن ثقيل مُخصصة، واستخدموا تقنيات متطورة في النقل عبر النيل ثم البحر المتوسط، مما يدل على خبرة هندسية متراكمة في التعامل مع هذه الكتل الحجرية الضخمة قبل عصر أوروبا الحديثة بقرون طويلة.