رحيل داوود عبد السيد.. السينما المصرية تفقد مخرج الأسئلة الكبرى والإنسان البسيط

فقدت السينما المصرية، اليوم السبت، أحد أعمدتها الإبداعية برحيل المخرج الكبير داوود عبد السيد، الذي وافته المنية في منزله وعلى سريره بعد صراع مع المرض، على أن تُشيَّع جنازته غدًا الأحد من كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة، في وداع يليق بقامة فنية تركت أثرًا لا يُمحى في وجدان السينما العربية.
يُعد داوود عبد السيد واحدًا من أبرز المخرجين في تاريخ السينما المصرية، إذ تميزت أعماله بقدرتها الفريدة على التعبير عن الواقع المصري بعمق إنساني وفلسفي، مع رصد دقيق لتفاصيل الحياة اليومية، ما جعل أفلامه قريبة من الناس، نابضة بمشاعرهم وأسئلتهم وهمومهم.
لم يكن مجرد مخرج، بل صاحب رؤية متكاملة، كتب السيناريو وأدار الصورة وبنى الشخصيات بعناية، لتخرج شخصياته «من لحم ودم»، تتحرك في أحياء شعبية وشوارع مألوفة، فتخلق حالة من الحميمية والصدق، تجعل المشاهد متورطًا وجدانيًا مع الحكاية، ويصعب عليه مغادرتها بعد انتهاء الفيلم.
تميّزت أفلام داوود عبد السيد بطرحها أسئلة وجودية وأخلاقية شائكة حول الحرية، والهوية، والانتماء، والعدالة الاجتماعية، كما ناقشت قضايا الظلم والبيروقراطية وتعقيدات النفس البشرية، في أسلوب هادئ وعميق بعيد عن المباشرة، ما جعل أعماله مادة ثرية للنقاش النقدي والجماهيري.
حظيت أعماله بتقدير نقدي واسع، تُوِّج بحصوله على عدد كبير من الجوائز، من بينها جائزة العمل الأول بمهرجان أسوان الأكاديمي عن فيلم «الصعاليك» (1985)، وجائزة الهرم الفضي من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي عن «أرض الخوف»، إلى جانب جائزة السيناريو من مهرجان البحرين، وجوائز أفضل فيلم وأفضل إخراج من مهرجان جمعية الفيلم عام 1999.
وفي عام 2013، اختار مهرجان دبي السينمائي الدولي ثلاثة من أفلامه — «الكيت كات» (1991)، «أرض الخوف» (1999)، و«رسائل البحر» (2010) — ضمن قائمة أهم 100 فيلم عربي، كما جرى تكريمه في مهرجان الجونة السينمائي عام 2018 تقديرًا لمسيرته الاستثنائية.
تنوعت تجربة داوود عبد السيد بين السينما التسجيلية والروائية، ومن أبرز أفلامه الروائية:
«البحث عن سيد مرزوق» (1991)، «الكيت كات» (1991)، «سارق الفرح» (1995)، «مواطن ومخبر وحرامي» (2001)، «رسائل البحر» (2010)، و«قدرات غير عادية» (2015).
برحيل داوود عبد السيد، تطوي السينما المصرية صفحة مخرج استثنائي، لكنه يترك خلفه إرثًا فنيًا خالدًا، سيظل حاضرًا في ذاكرة الأجيال، ومرجعًا لكل من يؤمن بأن السينما فن للتفكير والإنسان قبل أن تكون مجرد صورة على الشاشة.


تعليقات 0