14 أكتوبر 2025 14:54
سيناء الإخبارية
سيناء الإخبارية

في ذكرى رحيل محمود ياسين.. نجم الهدوء والهيبة الذي كتب اسمه بحروف من ذهب

في مثل هذا اليوم، يمر عام جديد على رحيل الفنان الكبير محمود ياسين، الذي ظل اسمه حاضرًا في ذاكرة الفن المصري والعربي، ليس فقط بموهبته وأدواره الخالدة، بل أيضًا بشخصيته الهادئة وصوته العميق الذي ميّزه عن جيله، ليبقى رمزًا للفن الراقي والالتزام على مدار أكثر من نصف قرن.

لم يكن محمود ياسين مجرد ممثل عابر، بل مدرسة قائمة بذاتها في الأداء واللغة والإحساس، تركت أثرًا لا يُمحى في قلوب الجمهور وصناع الفن.

وُلد محمود فؤاد محمود ياسين في مدينة بورسعيد في 2 يونيو عام 1941، وسط أسرة بسيطة، حملت في ملامحها القيم المصرية الأصيلة. منذ طفولته، أحب اللغة العربية والمسرح المدرسي، وكان يمتلك قدرة فريدة على الإلقاء والتمثيل، ما جعله يلفت الأنظار في سن مبكرة.

ورغم تخرجه في كلية الحقوق بجامعة عين شمس عام 1964، إلا أن حلم التمثيل كان أقوى من أي مسار آخر، فاختار طريق الفن ليبدأ رحلة استثنائية شكلت فصلًا مهمًا في تاريخ الإبداع العربي.

بدأ ياسين مسيرته الفنية من المسرح القومي، بعد أن اجتاز اختبارات القبول الصعبة وسط عدد كبير من المتقدمين، ليثبت منذ أول ظهور له أنه موهبة لا تُستهان بها.

شارك في أعمال مسرحية تركت بصمة في ذاكرة الجمهور، مثل الحلم ووطني عكا وسليمان الحلبي.

كان صوته العذب وأداؤه المتمكن يجذبان الجمهور فور ظهوره، خاصة في الأدوار التاريخية والدينية التي تتطلب فصاحة لغوية وحضورًا قويًا.

مع بداية السبعينيات، انتقل محمود ياسين إلى عالم السينما، ليصبح أحد نجومها الكبار، وشارك في أفلام لا تزال تُعرض حتى اليوم، مثل الرصاصة لا تزال في جيبي، والخيط الرفيع، وبدور، وأنف وثلاث عيون.

هذه الأعمال لم تكن مجرد بطولات سينمائية، بل كانت دروسًا في الأداء الصادق والتعبير الإنساني العميق، جعلت منه نجمًا لا يشبه أحدًا.

كوّن محمود ياسين خلال مشواره الفني ثنائيات ناجحة مع أبرز نجمات جيله، منهن نجلاء فتحي وميرفت أمين ونبيلة عبيد، كما ترك بصمات مؤثرة على شاشة التلفزيون في أعمال درامية أصبحت علامات بارزة في الذاكرة المصرية، مثل العصيان، سوق العصر، محمد رسول الله، وأبو حنيفة النعمان. استطاع في كل عمل أن يجسد الشخصية بروح مختلفة تجمع بين الوقار والعاطفة، وبين الصرامة والرقي.

في حياته الشخصية، ارتبط محمود ياسين بالفنانة شهيرة في قصة زواج هادئة ومستقرة استمرت حتى رحيله، وأنجبا عمرو، الذي أصبح كاتبًا وسيناريستًا ناجحًا، ورانيا التي سارت على خطاه في عالم التمثيل.

كانت شهيرة دائمًا إلى جانبه في مراحل حياته المختلفة، وخاصة خلال سنوات مرضه الأخيرة التي ابتعد فيها عن الأضواء.

وفي السنوات الأخيرة من حياته، عانى الفنان الكبير من تصلب في الشرايين، وهو ما أثر على صحته تدريجيًا.

وقد أوضحت ابنته رانيا محمود ياسين في تصريحات سابقة أن والدها لم يُصب بمرض الزهايمر كما أشيع، بل كانت حالته مرتبطة بالتقدم في السن، مؤكدة أنه ظل واعيًا ومحبًا لأسرته حتى أيامه الأخيرة.

وفي صباح يوم 14 أكتوبر 2020، ودّع محمود ياسين الدنيا عن عمر ناهز 79 عامًا، تاركًا خلفه إرثًا فنيًا وإنسانيًا يليق بتاريخ طويل من العطاء والإبداع.

شيّعت جنازته من مسجد الشرطة بمدينة الشيخ زايد، وسط حضور مهيب من الفنانين والإعلاميين ومحبيه الذين ودعوه بدموع الاحترام والتقدير.

مشهد الوداع كان أشبه بتكريم أخير لفنان عاش كبيرًا ومات مكرّمًا، وترك للأجيال درسًا في الالتزام والاحترام والفن النظيف.