النفط الليبي بين الفرص والتحديات: الاستثمار مرهون بالحوكمة والشفافية

وصل قطاع النفط الليبي إلى مفترق طرق حاسم مع إعلان الحكومة في يونيو 2025 عن أول جولة تراخيص للاستكشاف والإنتاج منذ أكثر من 17 عامًا، وقد أثارت الجولة اهتمامًا عالميًا واسعًا بعد أن تلقت أكثر من 400 طلب إبداء اهتمام خلال أسبوعين لتغطية 22 رقعة في أحواض سرت ومرزق وبرقة
وتتابع كبرى الشركات العالمية التطورات عن كثب، حيث وقعت “شل” و”بي بي” اتفاقيات إطارية لإحياء عقود معلقة منذ سنوات، بينما تتواصل المحادثات مع “إيني” و”أو إم في” و”ريبسول” حول مشروعات توسعة جديدة في قطاعي النفط والغاز، إلا أن الحذر يظل قائمًا بسبب الذاكرة المؤسسية المرتبطة بسنوات من الاضطراب
الفرص وحدها لم تعد كافية، فالمصداقية والشفافية صارت العامل الحاسم أمام المستثمرين الذين يبحثون عن بيئة تعاقدية مستقرة وآليات واضحة لحل النزاعات وضمان تنفيذ الالتزامات، وهو ما أكده رئيس المؤسسة الوطنية للنفط بالإنابة مسعود سليمان في يناير 2025 حين تعهد بإنهاء صفقات تبادل الوقود غير الشفافة وتعزيز الرقابة المؤسسية
غير أن ديوان المحاسبة أشار في يونيو إلى استمرار أوجه القصور في الكفاءة والشفافية داخل المؤسسة، في وقت كشف فيه تقرير صادر عن موقع Maghrebi.org أن الفساد استنزف أكثر من 294 مليون دولار من القطاع في النصف الأول من العام، وهو ما يضعف الميزانية العامة ويقوض ثقة المستثمرين
في ظل تنافس إقليمي على تدفقات رأس المال، لم تعد الشفافية خيارًا بل شرطًا أساسيًا يتطلب نشر العقود وإصدار تقارير دورية عن الإيرادات وتفعيل الرقابة المستقلة بما يعزز مصداقية ليبيا أمام الشركاء الدوليين
كما بدأت المؤسسة الوطنية للنفط خطوات عملية لتعزيز القدرات المحلية، إذ أنجزت في أغسطس المرحلة الأولى من برنامج تدريبي تقني في طرابلس وبنغازي بالتعاون مع شركة SLB لتأهيل 120 متخصصًا بحلول الربع الثالث من العام، إضافة إلى إطلاق منصة تعليم رقمية تستهدف تخريج 1000 مهندس وفني سنويًا لتوحيد معايير التدريب ورفع الكفاءة الوطنية
التجارب السابقة أثبتت أن الكفاءات الليبية قادرة على لعب دور محوري في استقرار القطاع، كما حدث بين عامي 2016 و2018 حين تمكنت المؤسسة الوطنية للنفط من ضمان استمرار الصادرات واحترام العقود الدولية رغم الانقسامات السياسية، وذلك بفضل أداء التكنوقراط وفي مقدمتهم عماد بن رجب ممثل ليبيا في اللجنة الفنية المشتركة لأوبك، الذي ساهم في طمأنة المشترين الدوليين والحفاظ على صورة ليبيا في الأسواق
إن الطريق أمام ليبيا مفتوح لكنه مشروط، فالمصداقية لا تُبنى بالوعود وإنما بالحوكمة الرشيدة والشفافية والاعتماد على الكفاءات الوطنية، وهو ما سيحدد ما إذا كان الاهتمام الدولي سيتحول إلى استثمار مستدام يعزز مكانة البلاد في سوق الطاقة العالمي
تعليقات 0