زيارة ترامب إلى بريطانيا بين بريق الموكب الملكي وظلال فضيحة إبستين

لم تكن الزيارة الرسمية الثانية لدونالد ترامب إلى المملكة المتحدة حدثًا عاديًا، فهي محاطة بمزيج متناقض من الفخامة الملكية والتوترات السياسية والفضائح التي تهدد بتشويه الصورة المراد رسمها.
فبينما تستعد لندن لاستقبال الرئيس الأمريكي السابق بأرفع درجات البروتوكول، تسيطر على المشهد أزمة دبلوماسية محرجة فجرتها إقالة السفير البريطاني في واشنطن، بيتر ماندلسون، على خلفية علاقاته بالملياردير المدان جيفري إبستين.
أزمة دبلوماسية في توقيت حساس
صحيفة الجارديان البريطانية اعتبرت أن توقيت الأزمة “كارثي”، إذ جاءت إقالة ماندلسون قبل أيام قليلة من الزيارة، بعد تسريب رسائل بريد إلكتروني كشفت عن محاولاته دعم صديقه إبستين للإفراج المبكر عام 2008.
وبذلك، تجد حكومة كير ستارمر نفسها مضطرة لاستقبال ترامب من دون سفير معتمد في واشنطن، وهو فراغ دبلوماسي غير مسبوق في حدث بهذا الحجم.
ترامب، الذي لطالما ارتبط اسمه هو الآخر بعلاقة شخصية سابقة مع إبستين، يسعى إلى التملص من أي ربط إعلامي بالفضيحة، مركّزًا على إبراز صورته كرجل دولة يلتقي الملك تشارلز والملكة كاميلا والأمير ويليام وكاثرين أميرة ويلز.
لكن، كما يقول مراقبون، “الفضائح تملك قدرة غريبة على ملاحقة أصحابها حتى وسط عروض البروتوكول الملكي”.
ترتيبات ملكية فاخرة ورسالة جيوسياسية
الزيارة، الممتدة من 16 حتى 19 سبتمبر، تحمل ملامح استثنائية، إذ ستُستقبل عائلة ترامب بموكب عسكري وحرس شرف في قلعة وندسور، تليه مأدبة ملكية بحضور نخبة من الوزراء وقادة شركات التكنولوجيا.
كما سيشهد برنامج الزيارة عرضًا جويًا لفريق “السهام الحمراء”، وتوقيع صفقات استثمارية بارزة تشمل شراكة تكنولوجية بين الولايات المتحدة وبريطانيا واتفاقية نووية مدنية.
المحللة صوفيا جاستون من مركز الحكم والأمن القومي بجامعة كينجز كوليدج تؤكد أن واشنطن ترى في لندن “شريكًا مميزًا” في قضايا التكنولوجيا والابتكار، مضيفة:”الهدف الرئيسي هو تعميق العلاقة العاطفية والسياسية التي تجمع البلدين، لكن المشهد الخارجي قد يُخفي هشاشة واضحة في البنية الدبلوماسية البريطانية”.
إجراءات أمنية غير مسبوقة
في المقابل، تكشف صحيفة الإندبندنت عن استعدادات أمنية وُصفت بـ”الأضخم منذ عقود”.
فشوارع لندن ستشهد انتشار ضباط مسلحين مجهزين بمسدسات “جلوك 17″، بنادق هجومية، وأجهزة صعق كهربائي، مع خطط للتعامل مع سيناريوهات عالية الخطورة مثل الهجمات الكيميائية أو النووية أو البيولوجية.
هذه الترتيبات تأتي وسط دعوات جماعات معارضة للتظاهر في لندن وقلعة وندسور، ما يفتح الباب أمام مشهد احتجاجي قد يتناقض تمامًا مع الأجواء الاحتفالية داخل القصور الملكية.
معضلة السفير الجديد
إحدى الهواجس التي تشغل بال المسؤولين البريطانيين هي ما إذا كان ترامب سيُلمّح علنًا لرغبته في رؤية شخصية بعينها تخلف ماندلسون في منصبه كسفير في واشنطن.
بعض المصادر الدبلوماسية أشارت إلى أن فريق ترامب عبّر عن إعجابه بالسفيرة السابقة كارين بيرس، بل وطلب عودتها، الأمر الذي يضع حكومة ستارمر أمام اختبار جديد بين الانصياع للرغبة الأمريكية أو الحفاظ على استقلالية القرار.
في النهاية، قد تنجح بريطانيا في تقديم عرض ملكي فاخر يرضي غرور ترامب الباحث عن مظاهر السلطة، لكن الأزمة المرتبطة بماندلسون وإبستين تظل كظل ثقيل يخيم على المشهد.
إنها زيارة تختصر تناقضات السياسة والدبلوماسية: بريق الموكب الملكي من جهة، وفضيحة تهدد بتقويض رسائل “العلاقة الخاصة” بين لندن وواشنطن من جهة أخرى.
تعليقات 0