مفتي الجمهورية من ماليزيا: فلسطين مرآة لعدالة مفقودة في العالم

أكد الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، أن الإسلام قد أرسي دعائم الوحدة بين المسلمين وجعلها أصلًا من أصول الدين ومقصدًا من مقاصده العليا، موضحًا أن الفتوى تمثل أداة رشيدة في ترسيخ هذه الوحدة الجامعة من خلال الخطاب الوسطي الذي يجمع ولا يفرق، ويعزز قيم الرحمة والتعايش والتعاون بين أبناء الأمة الواحدة.
جاء ذلك خلال المحاضرة التي ألقاها فضيلته بجامعة العلوم الإسلامية في ماليزيا تحت عنوان “دور مؤسسات الفتوى في توحيد الأمة”، حيث أوضح أن الإسلام حين تناول شأن المسلمين نظر إليهم كأمة واحدة لا كجماعات متفرقة، فوحد كلمتهم بالتوحيد، وجمعهم في شعائرهم وصلواتهم وصيامهم وحجهم، بما يعكس معاني الألفة والتلاحم الإيماني.
وأشار مفتي الجمهورية إلى أن قوة الأمة تكمن في وحدتها وتماسكها، موضحًا أن العبادات من صلاة وصوم وزكاة وحج تجسد مشروعًا متكاملًا لبناء أمة واحدة قادرة على أداء رسالتها في الشهادة على الناس جميعًا، مبينًا أن الوحدة هي سر البقاء والعزة، وأن الفرقة والخلاف لا يثمران سوى الضعف والانقسام.
واستشهد بآيات القرآن الكريم التي تحث على التماسك والاعتصام بحبل الله ونبذ التنازع المؤدي إلى الفشل، مستشهدًا بقوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا)، وبقوله تعالى: (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم). كما أورد حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي شبّه فيه المؤمنين في توادهم وتعاطفهم بالجسد الواحد الذي يتداعى كله إذا اشتكى منه عضو.
وأضاف الدكتور نظير عياد أن الوحدة الإسلامية تمثل القلب النابض للأمة والحارس الأمين الذي يصونها من كيد المتربصين والماكرين، موضحًا أن الدعوة إلى الوحدة لا تعني الانغلاق أو الانعزال عن العالم، بل تمهد لتحقيق وحدة إنسانية أشمل تقوم على البر والعدل والتعاون، مؤكدًا أن الأمة الإسلامية بحاجة إلى استعادة وعيها بأن وحدتها وتماسكها يشكلان الطريق للحفاظ على تراث الإنسانية وخدمة السلام العالمي.
وشدد مفتي الجمهورية على أن الوحدة الإسلامية التي دعا إليها الإسلام تنسجم مع السنن الكونية والحضارية التي تحكم بقاء الأمم وازدهارها، مشيرًا إلى أن التفريط في هذه الوحدة هو تفريط في وجود الأمة ومكانتها، وأن هذه الوحدة تجعل صوت المسلمين مسموعًا ومؤثرًا في المحافل الدولية وصنع القرار العالمي.
وأكد الدكتور نظير عياد أن قضية فلسطين تظل أبرز شاهد على ازدواجية المواقف الدولية تجاه قضايا العالم الإسلامي، وأنها تمثل مقياسًا للحق والعدالة في ضمير الإنسانية، مثمنًا مواقف الدول العربية والإسلامية وفي مقدمتها مصر وماليزيا لدعمهما المتواصل للقضية الفلسطينية وصون حقوق أبنائها المشروعة.
وأوضح مفتي الجمهورية أن تحقيق الوحدة الإسلامية يتطلب خمسة مسارات رئيسة، وهي التمسك بالقرآن الكريم والسنة النبوية، ووقف استغلال الخلافات التاريخية، والالتفاف حول الأصول المشتركة الجامعة، وتقبل التباين الفقهي بروح علمية ناضجة، ونبذ التطرف والغلو والتمسك بالقيادات الدينية والسياسية الرشيدة، محذرًا من الانشغال بالخلافات المذهبية التي استغلها أعداء الأمة لإضعافها وتمزيق صفوفها.
وأشار فضيلته إلى أن الانتماء الوطني لا يتعارض مع الانتماء الإسلامي، بل يتكامل معه في خدمة الإنسان وبناء الأوطان، مستدلًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أطيبك من بلد وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك)، مؤكدًا أن حب الوطن غريزة فطرية أقرها الإسلام، وجعلها جزءًا من الإيمان الصادق والولاء الحق للأمة والدين.
تعليقات 0