الذكاء الاصطناعي يغيّر قواعد السلامة المهنية ويؤثر على الصحة النفسية والجسدية للعمال

أطلقت منظمة العمل الدولية تقريرًا عالميًا يحمل عنوانًا لافتًا: “ثورة في الصحة والسلامة المهنية : دور الذكاء الاصطناعي والرقمنة في العمل”، وذلك بالتزامن مع اليوم العالمي للسلامة والصحة المهنية، وفي وقت يشهد فيه العالم طفرة تكنولوجية متسارعة تقودها الرقمنة والذكاء الاصطناعي

التقرير يضع التكنولوجيا تحت المجهر، حيث يستعرض الفرص التي تحملها أدوات الذكاء الاصطناعي في جعل بيئة العمل أكثر أمانًا، مقابل تحديات ومخاطر رقمية جديدة بدأت تلوح في الأفق، مما يضع الملايين من العاملين أمام مفترق طرق بين التمكين أو الإقصاء.

تقنيات متطورة

من الروبوتات التي تحل محل العمال في البيئات الخطرة، إلى الخوذ الذكية والقفازات المزودة بحساسات حيوية، يرسم التقرير مشهدًا متقدمًا لبيئة العمل في العصر الرقمي.

كما أشاد باستخدام الواقع الافتراضي في تدريب العاملين على مواجهة مواقف خطرة دون تعريضهم فعليًا للخطر.

إلا أن هذا التطور لم يخلُ من منغصات، إذ حذّر التقرير من مشاكل صحية مثل “دوار الواقع الافتراضي” والإجهاد البصري، وعبء نفسي متزايد ناتج عن الرقابة المستمرة عبر أنظمة الإدارة الخوارزمية التي تُقيّم أداء الموظفين وتوزّع المهام بشكل آلي.

بحسب الإحصائيات الواردة في التقرير، فإن نحو 75 مليون وظيفة معرضة للاستبدال الجزئي بفعل الأتمتة، في حين يمكن تطوير 427 مليون وظيفة عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي.

ولكن يبقى الوجه المظلم في أن النساء وكبار السن هم الأكثر تضررًا، خاصة في القطاعات كثيفة العمالة في الدول النامية مثل مراكز الاتصالات والتعهيد.

الرقمنة أسرع في الغرب

وأشار التقرير إلى أن أوروبا وأمريكا الشمالية تتصدران مشهد الرقمنة عالميًا بفضل تنوع أسواق العمل فيهما، في حين تبقى دول آسيا وأفريقيا الأقل تأثرًا، نظراً لاعتماد اقتصاداتها بشكل كبير على الزراعة والقطاع غير الرسمي.

مخاطر رقمية قادمة

لم تغفل منظمة العمل الدولية التحذير من مخاطر رقمية متصاعدة تشمل التحيز الخوارزمي، تآكل الخصوصية، العزلة المهنية، والإرهاق النفسي الناتج عن بيئات عمل تُدار بالذكاء الاصطناعي.

هذه التحديات قد تقوّض السلامة الجسدية والنفسية للعاملين إن لم تُواجه بحوكمة صارمة.

الذكاء الاصطناعي

خارطة طريق لحماية الإنسان في عالم ذكي

وفي سبيل تحقيق توازن بين الاستفادة من التكنولوجيا وحماية حقوق العمال، أوصى التقرير بجملة من السياسات أبرزها: تحديث التشريعات لتواكب التطورات الرقمية، تمكين العمال من “الحق في الانفصال الرقمي” بعد ساعات العمل، إشراكهم في صياغة الحلول التقنية، ودعم الفئات الهشة من خلال برامج تأهيل وتدريب مخصصة.

واختتمت منظمة العمل الدولية تقريرها بتأكيد أن الثورة الرقمية تمثل فرصة ذهبية لتحسين بيئة العمل، لكنها تتطلب قيادة حكيمة وتعاونًا ثلاثيًا بين الحكومات وأصحاب العمل والعمال لضمان أن يكون التحول الرقمي إنسانيًا، منصفًا، ومستدامًا.