«الغلاء يحاصر العالم».. قلق معيشي يعيد تشكيل خريطة السياسة الدولية

في مشهد عالمي مثقل بالضغوط الاقتصادية والتحولات السياسية، يتصدر غلاء المعيشة واجهة المخاوف اليومية لملايين السكان حول العالم، متجاوزا كونه أزمة مالية عابرة ليصبح عاملا مؤثرا في السلوك الانتخابي واستقرار الحكومات.
استطلاع دولي حديث يكشف أن تكاليف الحياة المتصاعدة باتت الهاجس الأكبر في عدد من كبرى اقتصادات العالم، وسط شعور عام بالتشاؤم وعدم اليقين حيال المستقبل.
الغلاء كقوة سياسية ضاغطة
لا تزال ازمة القدرة على تحمل التكاليف تلقي بظلالها الثقيلة على السياسة العالمية بعد أن قلبت موازين الحكم والتحالفات خلال العام الماضي. وأظهر استطلاع اجرته بوليتيكو أن استياء الناخبين من الضغوط المالية المستمرة لا يزال قوة فاعلة في المشهد السياسي داخل خمسة اقتصادات كبرى، حيث بات غلاء المعيشة عاملا حاسما في اعادة تشكيل الأولويات السياسية وتهديد استقرار الحكومات.
الولايات المتحدة وبريطانيا غضب الناخبين
في الولايات المتحدة، التي عاد فيها دونالد ترامب الى السلطة عبر حملة شعبوية اقتصادية، أشار 65% من الناخبين إلى أن تكلفة المعيشة ازدادت سوءا خلال العام الماضي، ما يعكس عمق القلق داخل المجتمع الأمريكي.
وفي المملكة المتحدة، التي شهدت إسقاط حزب المحافظين في 2024 بعد 14 عاما من الحكم، قال 77% من المواطنين أن أوضاع المعيشة تدهورت، في مؤشر واضح على العلاقة المباشرة بين الاقتصاد وصناديق الاقتراع.
فرنسا وألمانيا اقتصاد مأزوم
في فرنسا، التي يواجه فيها الرئيس ايمانويل ماكرون انخفاضا تاريخيا في نسب التأييد، يرى 45% من البالغين ان بلادهم تتخلف عن اقتصادات مماثلة.
أما في ألمانيا، وبعد صراعات داخلية طويلة حول الاقتصاد، انهار الائتلاف الحاكم بقيادة أولاف شولتز، حيث قال 78% من المشاركين في الاستطلاع أن تكلفة المعيشة ازدادت سوءا خلال العام الماضي، ما يعكس ازمة ثقة عميقة في الاداء الاقتصادي.
كندا وتداعيات ما بعد الجائحة
في كندا، أسهمت أزمة تكاليف المعيشة التي تلت جائحة كورونا في إشعال موجة غضب شعبي ضد حكومة جاستن ترودو قبل استقالته.
وأظهر الاستطلاع أن 60% من الكنديين يرون أن تكلفة المعيشة هي الأسوأ التي يتذكرونها، في وقت لا تزال فيه تداعيات التضخم حاضرة بقوة في الحياة اليومية.
تشاؤم اقتصادي واسع
تكشف نتائج الاستطلاع عن شعور عام بأن الاقتصادات الوطنية تتجه نحو التدهور؛ ففي فرنسا قال 82% إن تكلفة المعيشة ازدادت سوءا خلال العام الماضي، مقابل 78% في ألمانيا و77% في المملكة المتحدة و79% في كندا. ولا يقتصر الأمر على الصعوبات الفردية، بل يرى كثيرون أن أزمة الغلاء هي مشكلة هيكلية تضرب الاقتصاد ككل وليس مجرد ضغوط شخصية.
أرقام ومؤشرات مقلقة
في الاتحاد الأوروبي، ورغم توقع نمو الاقتصاد بنسبة 1.4% في 2025، شهد الاقتصاد الألماني تراجعا خلال العامين الماضيين مع توقعات بالركود.
وفي فرنسا، أدت سياسات مواجهة الغلاء إلى تضخم الدين الوطني ليقترب من 4 تريليونات دولار أمريكي. أما في كندا، فقد ارتفع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 2.2% في نوفمبر 2025 مقارنة بالعام السابق، وهو قريب من هدف البنك المركزي البالغ 2%.
اضطرابات سياسية متصاعدة
يشير الاستطلاع إلى أن المخاوف الاقتصادية تغذي الاضطرابات السياسية، حيث قال نحو نصف المستطلعين في ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة إن بلدانهم تتخلف عن الاقتصادات المماثلة.
وفي ألمانيا، تعرض المستشار فريدريش ميرز لانتقادات حادة بسبب تركيزه على الملفات الجيوسياسية مثل الحرب التجارية والحرب الروسية الأوكرانية، ما منح حزب البديل من أجل ألمانيا زخما إضافيا في استطلاعات الرأي.
فرنسا وصراع السياسات
في فرنسا، تحاول الحكومة التراجع عن بعض السياسات التي اتخذتها لمعالجة غلاء المعيشة، غير أن هذه الخطوات قد تواجه رفضا شعبيا واسعا.
كما ان هذه التراجعات قد تعزز صعود الأحزاب المناهضة للمؤسسة الحاكمة يمينا ويسارا، والتي جعلت من ارتفاع تكاليف الحياة سلاحا رئيسيا في مواجهة الوسط السياسي الفرنسي المتراجع.


تعليقات 0