القاهرة والخرطوم على طاولة التنسيق.. أول زيارة لرئيس وزراء السودان
ترسم ملامح الشراكة القادمة والتعاون نحو مستقبل مشترك

في لحظة حرجة من تاريخ السودان، اختار الدكتور كامل الطيب إدريس، رئيس الوزراء الانتقالي السوداني، أن تكون القاهرة هي أول وجهة خارجية له منذ توليه مهام منصبه، في زيارة لم تكن مجرد حدث بروتوكولي، بل خطوة استراتيجية عكست عمق العلاقات بين القاهرة والخرطوم، ورغبة الطرفين في ترسيخ تعاون يتجاوز الشعارات إلى الشراكات الفعلية.
رسائل دعم رئاسية
جاءت الزيارة بدعوة من الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري، ونُظمت جلسات مباحثات موسعة، حملت رسائل واضحة من القيادة المصرية، أكد خلالها مدبولي أن “أمن السودان جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري”.
وتنفيذًا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، أكدت مصر مجددًا موقفها الثابت بدعم السودان في استعادة وحدته واستقراره، ورفضها القاطع لأي تدخلات خارجية أو محاولات لتهديد وحدة أراضيه، سواء من خلال الصراعات المسلحة أو المحاور الإقليمية التي تسعى لفرض الأمر الواقع.
أجندة المباحثات.. ثلاثية الأمن والإعمار والمياه
جاءت المباحثات بين رئيسي وزراء البلدين شاملة ومكثفة، حيث دارت حول ثلاث محاور استراتيجية:
1. دعم إعادة إعمار السودان
مصر أكدت استعدادها الكامل لتقديم الخبرات والدعم الفني في ملف إعادة الإعمار، وفتح المجال أمام شركات المقاولات المصرية والمستثمرين المصريين للمشاركة في مشاريع البنية التحتية، والتنمية الحضرية، والتعليم والصحة والطاقة، خاصة في المناطق المتضررة من الحرب.
2. التنسيق الأمني الإقليمي
ناقش الجانبان التحديات الأمنية التي تواجه المنطقة، وعلى رأسها أمن البحر الأحمر، ومحاربة التسلل المسلح، وتبادل المعلومات لمكافحة الإرهاب والتهريب عبر الحدود، إلى جانب التفاهم حول مخاطر تفاقم الأزمة السودانية إقليميًا في حال استمرار الحرب.
3. قضية مياه النيل وسد النهضة
جدد الطرفان موقفهما الموحد بشأن رفض الإجراءات الأحادية من جانب إثيوبيا في ملف سد النهضة، وأكدا التزامهما الثابت بمبادئ القانون الدولي وضرورة التوصل لاتفاق ملزم بشأن تشغيل وملء السد، بما يضمن الحقوق المائية للسودان ومصر على السواء.
خلال كلمته في المباحثات، عبّر رئيس الوزراء السوداني عن امتنانه لموقف مصر، مؤكدًا أن “الإرادة مع جمهورية مصر العربية لن تلين”، وأن هذه الزيارة تمثل انطلاقة جديدة في العلاقة بين البلدين، هدفها ليس فقط تجاوز الأزمة، بل رسم ملامح مستقبل مشترك للأجيال القادمة.
الزيارة لم تكن الأولى من نوعها على المستوى السياسي، لكنها حملت بعدًا خاصًا كونها جاءت في وقت يشهد فيه السودان صراعًا دمويًا متواصلاً منذ عام 2023، ومع تزايد موجات النزوح واللاجئين إلى مصر، حيث استقبلت القاهرة أكثر من 5 ملايين سوداني منذ بداية الأزمة، وقدمت لهم كافة أشكال الدعم دون تمييز.
وفي هذا السياق، أكد مدبولي أن “فتح مصر لأبوابها أمام الأشقاء السودانيين لم يكن منةً بل واجبًا أخويًا يمليه التاريخ والمصير المشترك”.
خرجت الزيارة بعدة اتفاقات وتفاهمات عملية، تمثلت في:
تفعيل اللجان المشتركة بين البلدين لتنسيق السياسات والقرارات.
الاتفاق على زيادة حجم التبادل التجاري والاستثمارات.
العمل على برامج تدريب وتأهيل الكوادر السودانية في مختلف المجالات.
دعم خطة إعادة إعمار السودان بجهود مصرية مشتركة.
تعزيز الدبلوماسية التنسيقية في القضايا الإقليمية والدولية المتعلقة بأفريقيا والقرن الأفريقي.
القاهرة والخرطوم: وحدة لا تهزها العواصف
الزيارة أكدت من جديد أن العلاقة بين مصر والسودان ليست فقط علاقات جوار، بل هي شراكة تاريخية لا تفكها الأزمات، وأن إرادة البلدين تتجه إلى بناء مستقبل جديد، قائم على التعاون لا الصراع، وعلى المصالح المشتركة لا الحسابات الضيقة.
مصر، التي لم تتخل يومًا عن السودان في أحلك أوقاته، تواصل الآن كتابة فصل جديد من الدعم والعمل المشترك، في لحظة قد تكون فاصلة في استعادة السودان لعافيته واستقراره.
تعليقات 0