الموساد يسترجع أرشيف إيلي كوهين من دمشق بعد ستة عقود على إعدامه

في تطور لافت يعكس استمرار التنافس الاستخباراتي بين تل أبيب ودمشق، أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن نجاح جهاز “الموساد” في تنفيذ عملية نوعية أسفرت عن استعادة أرشيف الجاسوس الإسرائيلي الشهير إيلي كوهين من العاصمة السورية دمشق. وتمت العملية بالتنسيق مع جهاز استخبارات “شريك” لم يتم الكشف عن هويته، لتعيد هذه الخطوة إلى الواجهة واحدة من أكثر قصص التجسس إثارة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.

أرشيف إيلي كوهين
عملية في قلب دمشق: أرشيف الأسرار
بحسب البيان الرسمي الصادر عن مكتب نتنياهو، فإن العملية الاستخباراتية أسفرت عن استرجاع نحو 2,500 وثيقة وصورة ومجموعة من المقتنيات الشخصية التي تعود للجاسوس إيلي كوهين، الذي عمل لصالح الموساد تحت اسم مستعار هو “كامل أمين ثابت”، رجل الأعمال السوري العائد من الأرجنتين.
تشمل المواد المسترجعة رسائل بعث بها كوهين إلى أسرته في إسرائيل، ووثائق من أرشيف المخابرات السورية، وصور التقطت له خلال وجوده في سوريا، فضلًا عن مقتنيات منزلية كجوازات سفر مزورة، مفاتيح شقته بدمشق، ومحاضر لقاءاته مع مسؤولين سوريين بارزين.

أرشيف إيلي كوهين
الوصية الأخيرة: رسائل وداع من خلف القضبان
من أبرز ما تضمنه الأرشيف، وصية إيلي كوهين التي كتبها قبيل إعدامه عام 1965، حيث وجّه فيها كلمات مؤثرة لزوجته ناديا، طالبًا منها الصفح، ورعاية أطفاله، وفتح المجال لزواج جديد كي لا يحرموا من وجود أب. جاء في الوصية:
“أرجوكي يا ناديا أن تسامحيني وأن تهتمي بنفسك وبالأولاد… ويمكنك الزواج من غيري لكي لا يُحرم الأولاد من أب… وهذه آخر قبلات لي أوجهها إليك وإلى صوفي وإيريس وشاؤول…”

أرشيف إيلي كوهين
من هو إيلي كوهين؟ رجل تسلل إلى قلب السلطة السورية
وُلد إيلي كوهين في مدينة الإسكندرية عام 1924 لعائلة يهودية ذات أصول سورية تعود إلى مدينة حلب. هاجر إلى إسرائيل في الخمسينيات، وهناك جُنِّد للعمل في صفوف جهاز الموساد، الذي أعده لأحد أخطر المهام التجسسية في الشرق الأوسط.
في مطلع الستينيات، تم إرساله إلى سوريا بانتحال هوية رجل أعمال سوري يدعى “كامل أمين ثابت”، ونجح بسرعة في نسج علاقات مع كبار المسؤولين السوريين، حتى أنه كان قاب قوسين أو أدنى من تولي منصب نائب وزير الدفاع، قبل أن يُلقى القبض عليه إثر عملية رصد استخباراتية معقدة، لعب فيها جهاز المخابرات العامة المصري دورًا محوريًا، وفق ما أورده الكاتب الصحفي الراحل محمد حسنين هيكل.

أرشيف إيلي كوهين
محاولات فاشلة لاستعادة الجثمان
منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، صعّدت إسرائيل جهودها لاستعادة رفات كوهين، متهمة النظام السوري بإخفاء موقع دفنه عمدًا لأسباب سياسية. ورغم مساعي وساطة دولية متكررة، لم تُفلح تل أبيب حتى الآن في معرفة مكان القبر أو استعادة جثمانه.

أرشيف إيلي كوهين
رمزية كوهين في الوجدان الإسرائيلي
يُعد إيلي كوهين رمزًا وطنيًا في إسرائيل، حيث يُنظر إليه كبطل قومي، وكنموذج للفدائي المخلص الذي ضحى بحياته في سبيل أمن بلاده. وقد جسدت قصة حياته في عدة أعمال درامية، أبرزها مسلسل “The Spy” على منصة نتفليكس، الذي سلط الضوء على تفاصيل مهمته في سوريا.
تأتي عملية استعادة أرشيفه لتغذي هذا السرد الوطني، وتُوظف سياسيًا لتعزيز صورة جهاز الموساد، ولتأكيد قدرته على الوصول إلى عمق أراضي “العدو”، حتى بعد مرور عقود على انتهاء المهمة.

أرشيف إيلي كوهين
ختامًا: أرشيف من الماضي يعيد فتح جراح الذاكرة
تكشف هذه العملية أن ملفات الجواسيس لا تطوى بانتهاء مهامهم أو إعدامهم، بل تبقى حاضرة في معارك الذاكرة والسياسة والاستخبارات. فبينما تواصل إسرائيل سعيها لاستعادة رفات إيلي كوهين، يمثل أرشيفه المُستعاد فصلًا جديدًا في قصة تجسس لم تنتهِ بعد — تارةً تُكتب بالحبر، وتارةً بالدم، وأخرى بالوثائق المسربة من قلب العواصم المتنازعة.
تعليقات 0