جمود سياسي يعطل خطة ترامب لإنهاء حرب غزة ومخاوف من تقسيم فعلي للقطاع

تواجه خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في غزة حالة من الجمود شبه التام، وفق ما أكدته مصادر دبلوماسية مطلعة، مشيرة إلى أن التطورات الميدانية والسياسية تنذر بتكريس واقع جديد يقسم القطاع فعليًا إلى منطقتين؛ واحدة تخضع للسيطرة الإسرائيلية وأخرى تحت إدارة حركة حماس، في مشهد يُنذر بانفصال طويل الأمد قد يستمر لسنوات.
ونقلت وكالة “رويترز” عن ستة مسؤولين أوروبيين مطلعين على تفاصيل المشاورات الجارية أن المرحلة التالية من الخطة الأمريكية متوقفة عمليًا، وأن جهود إعادة الإعمار ستكون محدودة النطاق وستقتصر على المناطق الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية فقط.
الخط الأصفر يتحول إلى حدود فاصلة
وبحسب ما كشفه ثمانية عشر مصدرًا سياسيًا من بينهم مسؤولون أوروبيون وأمريكيون سابقون تحدثوا لـ”رويترز”، فإن ما يُعرف بـ”الخط الأصفر” الذي تم تحديده ضمن ملامح الخطة الأمريكية، بدأ يتحول تدريجيًا إلى حدود فعلية تفصل بين مناطق النفوذ داخل القطاع.
وأوضحت المصادر أن واشنطن أعدّت مشروع قرار لعرضه على مجلس الأمن يمنح هيئة حكم انتقالية وقوة دولية تفويضًا لمدة عامين، غير أن معظم الدول الأوروبية والعربية أبدت تحفظًا واضحًا على المشاركة في مثل هذه القوة، خاصة إذا شملت مهامها اشتباكات محتملة مع حركة حماس أو فصائل فلسطينية أخرى.
سيطرة ميدانية واسعة لإسرائيل
وتشير المرحلة الأولى من الخطة، التي دخلت حيز التنفيذ في 10 أكتوبر الماضي، إلى أن الجيش الإسرائيلي يفرض سيطرته حاليًا على ما يقرب من 53% من مساحة قطاع غزة الممتد على ساحل البحر المتوسط، وتشمل هذه السيطرة معظم الأراضي الزراعية، وأجزاء من جنوب مدينة رفح، ومناطق من مدينة غزة وأحياء حضرية أخرى، وفق ما أوردته “رويترز”.
وفي المقابل، يعيش ما يقرب من مليوني فلسطيني في مخيمات مكتظة وخيام مؤقتة داخل مناطق مدمرة إلى حد كبير، فيما أظهرت لقطات جوية نشرتها الوكالة حجم الدمار الهائل الذي خلفته الغارات الإسرائيلية في شمال القطاع.
غياب جدول زمني وآلية تنفيذ
وتنص المرحلة التالية من الخطة على انسحاب إسرائيلي تدريجي من “الخط الأصفر” المتفق عليه، مع إنشاء سلطة انتقالية لإدارة القطاع ونشر قوة أمنية متعددة الجنسيات تتولى حفظ الأمن ونزع سلاح حماس تمهيدًا لبدء عملية إعادة الإعمار.
إلا أن دبلوماسيين أوروبيين أوضحوا أن الخطة تفتقر إلى جدول زمني واضح وآليات تنفيذ محددة، إذ ترفض حماس التخلي عن سلاحها، بينما تعارض إسرائيل إشراك السلطة الفلسطينية في إدارة القطاع، في ظل غموض يلف هوية القوة الدولية ومهامها التفصيلية.
وخلال مشاركته في مؤتمر المنامة الأمني، قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي: “الجميع يسعى إلى إنهاء الصراع، لكن السؤال الحقيقي هو كيف يمكن تحقيق ذلك؟”، مشيرًا إلى غياب رؤية عملية واقعية للتنفيذ.
إعادة إعمار جزئية ومحدودة
وفي المقابل، يرى مسؤولون أمريكيون أن المرحلة الأولى من الخطة يمكن أن تستمر دون الانتقال إلى المراحل التالية، بحيث يبدأ تدفق أموال الإعمار فقط إلى المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية.
واعتبر الباحث الأمريكي مايكل وحيد حنا، من مجموعة الأزمات الدولية، أن هذه الترتيبات “تهدد بتحويل الانقسام المؤقت في غزة إلى واقع دائم من الفصل الجغرافي والسياسي”.
ورغم تأكيد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن إسرائيل لا تنوي إعادة احتلال غزة أو إدارتها بشكل مباشر، فإن وزراء من اليمين المتطرف داخل حكومته يدفعون باتجاه إعادة بناء المستوطنات السابقة داخل القطاع.
كما قامت القوات الإسرائيلية ببناء كتل إسمنتية صفراء ضخمة لترسيم خط الانسحاب، وأظهرت صور الأقمار الصناعية إقامة مواقع عسكرية محصنة شرق مدينة غزة، في حين يصر جيش الاحتلال على أن وجوده هناك “مؤقت” لحين نزع سلاح حماس وبدء عمل القوة الدولية.
وفي المقابل، أكد المتحدث باسم حركة حماس استعداد الحركة لتسليم إدارة القطاع إلى كيان فلسطيني تكنوقراطي، مع التشديد على ضرورة أن تشمل عملية إعادة الإعمار جميع مناطق غزة دون تمييز.
موقف عربي وفلسطيني رافض
من جهته، أكد وزير الخارجية المصري الدكتور بدر عبدالعاطي أهمية الانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة ترامب بما تتضمنه من جوانب سياسية وتنموية وإنسانية، موضحًا أن القاهرة تواصل جهودها للتحضير لعقد المؤتمر الدولي لإعادة الإعمار والتعافي المبكر والتنمية في قطاع غزة، المقرر انعقاده في نوفمبر الجاري، باعتباره محطة أساسية لحشد الدعم الدولي وإرساء الاستقرار في القطاع.
كما جدد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي تحذيره من أي محاولة لتكريس واقع الانقسام، مؤكدًا أن “غزة جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة”، بينما شددت وزيرة الخارجية الفلسطينية على أن أي عملية إعادة إعمار لا يمكن أن تُكتب لها النجاح إلا بوجود سيادة فلسطينية كاملة على الأراضي.


تعليقات 0