18 أكتوبر 2025 11:48
سيناء الإخبارية
سيناء الإخبارية

جنوب العراق يصرخ عطشًا.. ملوحة المياه تقتل الزرع والحيوان والإنسان

في مشهد مؤلم يلخّص أزمة بيئية وإنسانية متفاقمة، تتصاعد معاناة سكان جنوب العراق مع الارتفاع القياسي في ملوحة المياه، ما أدى إلى تدمير مصادر رزق آلاف العائلات وتهديد صحة السكان والحياة الزراعية والحيوانية على حد سواء.

في محافظة البصرة، تقول “أم علي”، وهي أرملة وأم لثلاثة أطفال، إنها استيقظت لتجد دواجنها نافقة بسبب ملوحة المياه. بعينين دامعتين تروي لوكالة الأنباء الفرنسية:”كنت أشرب من ماء النهر وأطبخ به، الآن صار يؤذينا ويقتل ما نملك”.

فقدت المرأة أكثر من 40 بطة و15 دجاجة هذا الموسم، بينما تعجز عن شراء المياه العذبة التي تُباع بعشرة آلاف دينار لكل ألف لتر، أي ما يعادل 7 دولارات فقط لكنها أغلى من قدرتها.

المُزارعة زليخة هاشم (60 عامًا) تشكو من أن مياه الري أصبحت مالحة إلى حدّ لا يمكن استخدامه للزراعة. تقول بأسى:”هذه السنة أصبحت المياه مالحة لدرجة أنه لا يمكن سقي الزرع بها”،

محذّرة من أن استمرار الأزمة سيقضي على عملها الذي ورثته منذ 15 عامًا في زراعة التين والرمان والمانجو.

تلتقي أنهار دجلة والفرات في البصرة لتكوّنا شط العرب، الذي يصب في الخليج العربي محمّلًا بالتلوث.

ويشير أستاذ البيئة في جامعة الكوفة حسن الخطيب إلى أن تراجع تصريف شط العرب جعل مياه الخليج المالحة تزحف نحو الداخل العراقي، مضيفًا: “لم نشهد مثل هذه المستويات من الملوحة منذ 89 عامًا”.

في سبتمبر الماضي، بلغ مستوى الملوحة في مياه البصرة 29 ألف جزء في المليون مقارنة بـ2600 فقط في نفس التوقيت من العام الماضي، وفق بيانات وزارة الموارد المائية العراقية — أي بزيادة تتجاوز عشرة أضعاف خلال عام واحد.

تشير الأمم المتحدة إلى أن 25% من نساء الجنوب العراقي يعملن في الزراعة، ما يجعلهن أكثر الفئات تضررًا.

وفي أكتوبر 2024، نزح أكثر من 170 ألف شخص من وسط وجنوب العراق بسبب ملوحة المياه وتدهور المناخ، وفق المنظمة الدولية للهجرة.

إحدى هؤلاء النازحات، “مريم سلمان”، انتقلت مع زوجها وجواميسها إلى البصرة بحثًا عن الماء. تقول بحزن: “كنا نعيش جيدًا، لكن المياه هنا أيضًا أصبحت سيئة، حتى ابنتي أصيبت بطفح جلدي من سوء نوعية المياه”.

ورغم إعلان الحكومة اتخاذ “حزمة من الإجراءات العاجلة” لمواجهة تفاقم اللسان الملحي في شط العرب، إلا أن الحلول لا تزال بطيئة.

ويؤكد المتحدث باسم وزارة الموارد المائية خالد شمال أن العراق يتلقى اليوم أقل من 35% من حصته المائية الطبيعية من دجلة والفرات، بسبب سياسات دول المنبع وتغير المناخ.

وأطلق رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مشروعًا لتحلية مياه البحر في البصرة بطاقة مليون متر مكعب يوميًا، في محاولة لإنقاذ الجنوب من العطش.

في قرية أبو ملح، تقول السيدة حمدية مهدي (52 عامًا) إن ملوحة المياه قضت على عمل زوجها في الصيد، وأفسدت الأجواء المنزلية بسبب ضيق الحال.

“لا مال لدينا ولا مياه.. كلنا نغضب من بعضنا بسبب هذا الوضع”، تقول بحسرة داخل منزلها الخالي من الأثاث.

تتحول أزمة الملوحة في جنوب العراق يومًا بعد آخر إلى قنبلة بيئية واجتماعية موقوتة، تهدد بتصحر الأرض، وهجرة البشر، وانهيار الزراعة.

وبينما يُنتظر تحرك عاجل وحاسم من الحكومة والدول المجاورة، يبقى أبناء البصرة والجنوب يواجهون مصيرهم وحدهم أمام مياهٍ مالحةٍ تبتلع أحلامهم كل يوم.