“فخ الأرباح السريعة”.. الداخلية تطيح بعصابة إلكترونية استولت على ملايين الجنيهات
عبر منصة "VSA" الوهمية

الداخلية تطيح بعصابة إلكترونية ،ففي واحدة من أقوى الضربات الأمنية في مواجهة الجريمة الرقمية، أسدلت وزارة الداخلية الستار على فصل جديد من فصول النصب الإلكتروني، بإسقاط تشكيل عصابي محترف تخصص في الاحتيال على المواطنين عبر منصة إلكترونية مزيفة تُدعى “VSA”، تروّج لاستثمار الأموال مقابل أرباح وهمية.
بدأت خيوط القضية تتكشف مع تلقي وزارة الداخلية عشرات البلاغات من مواطنين أفادوا بخسارة مدخراتهم بعدما أودعوها عبر محافظ إلكترونية بناءً على تعليمات منصة “VSA”، التي ادّعت أنها تمنح عائدًا ثابتًا مقابل مهام بسيطة مثل مشاهدة الإعلانات، في أسلوب حديث مشتق من نماذج التسويق الهرمي.
لم تكن الخدعة سطحية، بل اعتمدت على أدوات تضليل شديدة التعقيد، شملت إعلانات مموّلة ومقاطع فيديو دعائية وبيانات مزيفة عن شراكات عالمية، بالإضافة إلى استخدام أرقام دولية عبر “واتساب” لإضفاء المصداقية. كل ذلك تم بهدف استدراج الضحايا وإقناعهم بضخ المزيد من الأموال بحجة الحصول على أرباح أكبر.
البلاغات المتكررة قادت الأجهزة الأمنية إلى رصد خسائر الضحايا التي تجاوزت 2.5 مليون جنيه، فتم فتح تحقيق عاجل بالتنسيق مع قطاع تكنولوجيا المعلومات، وكشفت التحريات عن شبكة احتيال مكوّنة من 23 متهمًا يديرون المنصة بغرض الاستيلاء على أموال المواطنين.
وتم إعداد مأموريات مكثفة أسفرت عن القبض على جميع المتهمين، وضبط مبالغ مالية ضخمة، وهواتف، وأجهزة حاسوب، وسيارات، وشرائح هاتفية مفعل عليها محافظ إلكترونية، قُدرت المضبوطات بنحو 32 مليون جنيه نقدًا وعينيًا.
وأصدرت وزارة الداخلية بيانًا رسميًا تحذر فيه المواطنين من الانسياق وراء الإعلانات المضللة والمنصات المشبوهة التي تروّج لأرباح خيالية، مشددة على أن النشاط الاستثماري المشروع لا يتم عبر تطبيقات مجهولة أو روابط مجهولة المصدر، بل عبر قنوات قانونية ورقابية معتمدة.
كما أكدت الوزارة أن لديها إمكانات متطورة في مكافحة الجريمة الرقمية، وأن تطور أدوات الجريمة الإلكترونية يُقابله تطور أكبر في قدرات فرق الأمن السيبراني.
اللواء د. أحمد كساب، الخبير الأمني، أشاد بسرعة التحرك الأمني فور ورود البلاغات، معتبرًا أن ما حدث يعكس التطور النوعي لقطاع الأمن الرقمي في مصر.
وأضاف أن التحليل الرقمي والربط بين البيانات ساهم في ضبط المتهمين في زمن قياسي، ما قلّل من عدد الضحايا المحتملين.
من جانبه، شدد اللواء علاء عبد المجيد، خبير الأمن الرقمي، على ضرورة رفع مستوى “الوعي الرقمي” لدى المواطنين، موضحًا أن الجرائم الإلكترونية تتوسع بفضل جهل البعض بالتعاملات الرقمية، وأن كثيرًا من الضحايا لا يُبلغون عن تعرضهم للنصب بسبب الخجل أو الخوف من الفضيحة، ما يتيح للمجرمين تكرار جرائمهم.
يواجه المتهمون تهمًا مشددة بموجب قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، وتشمل الاحتيال الإلكتروني، التزوير، انتحال الصفة، وغسيل الأموال. وتصل العقوبات إلى السجن المشدد والغرامات الكبيرة، خاصة أن القضية تمس الأمن الاقتصادي والاجتماعي بشكل مباشر.
هذه الواقعة تسلط الضوء على جيل جديد من الجرائم لا يُرى بالعين المجردة، لكنه يسرق الأموال من خلف الشاشات، ويحتاج إلى يقظة حقيقية من المجتمع، خاصة الشباب، في التعامل مع أي عروض استثمارية غير موثقة.
فإذا كانت أجهزة الأمن قد قامت بدورها في إسقاط العصابة، فإن المعركة الحقيقية تبدأ من وعي المواطن، لأن مثل هذه الجرائم لا تنتشر إلا حين يغيب الحذر، وتُغري الطُعم البراق من يحلم بالثراء السريع.
تعليقات 0