مدينة الفاشر تختنق تحت الحصار: الدعم السريع يمنع الغذاء والدواء.. والأهالي يقتاتون على “علف الحيوانات”

في ظل صمت دولي مريب، تتفاقم الكارثة الإنسانية في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، التي تعيش حصارًا خانقًا تفرضه ميليشيا الدعم السريع منذ شهور، ما أدى إلى تدهور غير مسبوق في الأوضاع المعيشية وانهيار شبه كامل في قطاعات الصحة والغذاء والمياه.
تمنع قوات الدعم السريع دخول المساعدات الإنسانية والأدوية إلى المدينة المنكوبة، بينما تواصل قصف الأحياء السكنية ومخيمات النزوح، ما أدى إلى شبح مجاعة يخيم على آلاف الأسر، وسط انهيار اقتصادي وتضخم جنوني في أسعار السلع، حتى بات الحصول على وجبة واحدة في اليوم رفاهية لا يقدر عليها كثيرون.
وفي مشهد يعيد للأذهان مآسي الحصار في أسوأ النزاعات، توقف الجيش السوداني عن إنزال المؤن جويًا بعد أن أسقطت ميليشيا الدعم السريع طائرة حربية كانت تحاول إيصال مساعدات غذائية في أبريل الماضي.
في محاولة دولية يائسة لكسر الحصار، أعلن برنامج الأغذية العالمي عن إرسال قافلة مساعدات من بورتسودان إلى الفاشر، قطعت أكثر من 1800 كيلومتر، إلا أن القافلة المكونة من 17 شاحنة تعرضت لقصف جوي في 2 يونيو، ما أسفر عن مقتل خمسة من العاملين الإنسانيين وإحراق عدة شاحنات، في جريمة أدانتها المنظمات الأممية بشدة.
يقول المزارع إسحق محمد أحمد عيسى إن الحرب أخرجته من دائرة الإنتاج، مشيرًا إلى أن أكثر من 80% من سكان دارفور كانوا يعتمدون على الزراعة كمصدر رئيسي للغذاء.
ومع سيطرة الدعم السريع على المناطق الزراعية، وغياب أي دعم، تحوّل إسحق من مزارع إلى لاجئ داخل مدينته.
يعيش إسحق اليوم على ما تبقى من محصول “العدسية” الذي حصده قبل عامين، ويشارك وجبته المحدودة مع أكثر من 20 نازحًا. يقول: “الطعام لا يكفي للشبع.. لكنه يُبقينا أحياء”.
فوفقًا لتقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، يعاني 38% من الأطفال دون سن الخامسة من سوء تغذية حاد، بينهم 11% يعانون من حالات شديدة.
ومع اختفاء الأغذية الأساسية، أصبح “الأمباز” – وهو علف مخصص للحيوانات – الغذاء اليومي الوحيد لآلاف السكان.
ويحذر التجار من أن مخزون الأمباز على وشك النفاد بسبب عدم توفر الفول السوداني، المصدر الأساسي لإنتاجه.
في ظل هذا المشهد القاتم، برزت مبادرات أهلية لمقاومة الجوع، حيث ظهرت أكثر من 15 تكية ومطبخًا جماعيًا، أبرزها “تكية الفاشر” و”شير في الخير”، التي تقدم وجبتين أسبوعيًا فقط، بما توفره الأسواق من مواد غذائية.
أجبرت الحرب أكثر من 782 ألف شخص على النزوح من الفاشر ومخيم زمزم، فيما تؤوي المدينة ومخيم أبو شوك أكثر من 80 ألف نازح في 45 مركزًا، بحسب مفوضية العون الإنساني. يعيش هؤلاء في ظروف مأساوية تتسم بالجوع، وانعدام الخدمات الصحية والمياه.
حاول بعض التجار إدخال السلع عبر التهريب مستخدمين الدراجات النارية ثم الدواب، لكن قوات الدعم السريع صادرت البضائع واعتقلت عددًا من المهربين، ليُغلق الطريق الأخير أمام الغذاء والدواء.
باتت الفاشر مدينةً مهددة بالمجاعة والانهيار الصحي الكامل، في ظل استمرار الحصار وتوقف المنظمات عن العمل. في مشهد يعكس تقاعسًا دوليًا، تُترك آلاف الأسر، وأطفالها، لمصيرهم في صراع سياسي لا يرحم، بينما تحوّلت الحياة اليومية إلى معركة للبقاء.
تعليقات 0