مشروع أمريكي لإنشاء «قوة استقرار» في غزة يثير مخاوف من فصل القطاع عن الدولة الفلسطينية

في ظل تصاعد الضغوط الإقليمية والدولية لإصدار قرار أممي بشأن تشكيل قوة دولية داخل قطاع غزة، تقدّمت الولايات المتحدة بمشروع قرار إلى مجلس الأمن تحت عنوان «إنشاء قوة دولية أمنية»، أو ما يعرف إعلاميًا بـ«قوة الاستقرار»، في خطوة تُعد الأخطر منذ اندلاع الأزمة الفلسطينية الأخيرة، لما تحمله من بنود تُعيد رسم الخريطة السياسية للمنطقة وتفتح الباب أمام فصل غزة عن محيطها الوطني الفلسطيني.
وكشفت مسودة المشروع، التي نشرها موقع أمريكي، عن بند غير مسبوق يقضي بوضع إدارة قطاع غزة تحت إشراف كيان جديد يُعرف بـ«مجلس السلام»، على أن يترأسه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ليكون سلطة انتقالية تدير شؤون القطاع وتنسق تمويل إعادة الإعمار، إلى حين تنفيذ السلطة الفلسطينية برنامج إصلاحات محددة ونيلها موافقة المجلس.
ويشكل هذا البند جوهر المشروع الأمريكي، إذ يمنح «مجلس السلام» صلاحيات شبه سيادية، في حين تمنح دولة الاحتلال الإسرائيلي صلاحيات أمنية ومدنية خاصة خلال فترة انتقالية مفتوحة زمنيًا، ومشروطة فقط بـ«نتائج التنفيذ».
وبهذا المشروع، ترسم واشنطن ملامح كيان سياسي منفصل في غزة، يُدار باسم «مجلس السلام»، بينما تبقي الضفة الغربية والقدس خارج نطاق هذا الترتيب، ما يعني عمليًا فصل القطاع عن الدولة الفلسطينية الموحدة، وإقامة إدارة انتقالية تتحكم في كافة تفاصيل الحياة السياسية والأمنية، تحت شعار «الاستقرار».
ومنذ إعلان «خطة ترامب للسلام» مرورًا بما عُرف بـ«إعلان شرم الشيخ»، يتضح أن المسار الأمريكي يتجه نحو فرض واقع سياسي جديد، يُقصي السلطة الفلسطينية من إدارة غزة، ويضعها تحت وصاية دولية بقيادة واشنطن.
وبحسب المشروع، يتولى «مجلس السلام» المهام السيادية الكبرى، بينما تُحال الشؤون الحياتية والخدمية إلى لجنة مهنية خاضعة له، على أن يكون «الحاكم العام» للقطاع شخصية تُرشّحها الإدارة الأمريكية، وجرى ترشيح جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترامب، لهذا المنصب.
وتحمل تفاصيل المشروع تهديدًا وجوديًا للكيان الفلسطيني الموحد، إذ تمنح إسرائيل دورًا سياديًا واضحًا من خلال حقها في الموافقة المسبقة على قرارات القوة الدولية، بالإضافة إلى صلاحية «استخدام جميع الوسائل الضرورية لتنفيذ التفويض وفقًا للقانون الدولي»، بما يشمل ملاحقة أي جهة تعتبرها «تهديدًا لأمنها».
وبذلك يتحول ما يسمى «مجلس السلام المؤقت» إلى لجنة حكم شاملة ذات ولاية غير محددة، ما يجعله أشبه بـ«احتلال خفي» تحت غطاء قانوني دولي.
واللافت أن مسودة المشروع الأمريكي لم تذكر اسم دولة فلسطين سوى مرة واحدة فقط، متجاهلة وضعها كعضو مراقب في الأمم المتحدة يتمتع بصلاحيات موسعة، وهو تجاهل يعكس بوضوح موقف إدارة ترامب الرافض لقيام دولة فلسطينية مستقلة، ومحاولته حصر الكيانية الفلسطينية في نطاق غزة الخاضعة للرقابة الدولية.
وفي مواجهة هذا المشروع، تبرز الحاجة الملحّة إلى تحرك عربي عاجل على مستوى وزراء الخارجية، يستند إلى مقررات القمم العربية والإسلامية الأخيرة، لتوحيد الموقف ورفض جوهر المشروع الأمريكي، وإجراء تعديلات جذرية تضمن الحفاظ على وحدة الأرض الفلسطينية، ووضع حد واضح لأي دور سيادي لدولة الاحتلال، مرتبط بانتهاء عملية الانسحاب الكامل من غزة وتقييد تحركاتها الأمنية داخل المناطق الخاضعة للرقابة الدولية.
وفي هذا السياق، يتحمل القيادة الفلسطينية الرسمية مسؤولية كبرى في تثبيت شرعيتها التمثيلية، وقيادة تحرك دبلوماسي مضاد لإفشال المشروع الأمريكي الذي يُعيد إنتاج خطة «السلام مقابل السيطرة»، ويهدد بإسقاط المشروع الوطني الفلسطيني برمّته.
ويجمع المراقبون على أن مشروع القرار الأمريكي بشأن غزة هو الأخطر منذ عقود، إذ يجسد الوجه الآخر لقرار الكنيست الإسرائيلي الذي يعتبر قيام دولة فلسطينية «خطرًا وجوديًا»، ما يعكس تكامل الرؤى بين واشنطن وتل أبيب في إجهاض أي محاولة لإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة حقيقية.
وفي ختام المشهد، يلاحظ الغياب المصري اللافت عن اجتماع «الثمانية» الذي انعقد مؤخرًا في إسطنبول، رغم أن القاهرة تُعد الدولة الضامنة لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة، والموقع الذي شهد التوقيع عليه.
ويأمل المراقبون أن يكون الغياب المصري مؤقتًا أو مرتبطًا بظرف طارئ، لا بموقف سياسي، لأن غزة لا يمكن أن تنفصل عن بوابتها الطبيعية، مصر المحروسة، التي كانت وما زالت الحاضن الأكبر للقضية الفلسطينية.


تعليقات 0