مصر والقضية الفلسطينية.. دور تاريخي يتجدد في قلب معركة غزة

في وقت تتصاعد فيه نيران الحرب على غزة منذ 7 أكتوبر 2023، تواصل مصر أداء دورها الإقليمي المحوري، سياسيًا وإنسانيًا، في دعم القضية الفلسطينية، وترسيخ موقعها كفاعل لا غنى عنه في كل تفاصيل المشهد الغزّي.
فعلى مدار أكثر من سبعة عقود، لم تغب القاهرة يومًا عن الملفات الفلسطينية الحساسة، بدءًا من الوساطات السياسية، ومرورًا بالمبادرات الإنسانية، ووصولًا إلى التحركات الدبلوماسية العاجلة. وقد أثبتت الأحداث الأخيرة أن مصر، رغم تعقيدات الجغرافيا وضغوط السياسة، تظل السند الأبرز لغزة.
منذ عام 2008 وحتى اليوم، لعبت مصر دور الوسيط الرئيسي في وقف إطلاق النار خلال جولات التصعيد بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، في أعوام 2008، 2012، 2014، 2021، وتكرر المشهد بقوة بعد اندلاع عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023.
لم تكتف القاهرة بدور الوسيط، بل فتحت أبواب مستشفياتها لاستقبال الجرحى، وأرسلت قوافل غذائية وطبية ووقود إلى غزة، ونظّمت مؤتمرات لإعادة الإعمار، وكانت حاضرة دائمًا في جهود المصالحة بين فتح وحماس.
مع تصاعد العدوان الإسرائيلي عقب “طوفان الأقصى”، أطلقت مصر تحركًا إنسانيًا واسعًا تمثّل في:
إرسال أكثر من 130 ألف طن من المساعدات إلى غزة عبر معبر رفح.
دخول أكثر من 7,000 شاحنة إغاثة تحمل غذاءً ودواءً ووقودًا ومياهًا وخيامًا.
استقبال أكثر من 103,000 حالة فلسطينية للعلاج، من بينها 12,300 طفل.
تطعيم 16,300 شخص ضد أمراض مثل شلل الأطفال والحصبة.
تجهيز 164 مستشفى بسعة سريرية تصل إلى 10,377 سريرًا داخليًا و867 حاضنة.
إرسال 123 سيارة إسعاف مجهزة ضمن القوافل الطبية.
توفير 25,000 كيس دم وفرق طبية تضم 35,000 طبيب و39,000 ممرض.
رفض قاطع للتهجير
رغم الضغوط الدولية، خاصة من الولايات المتحدة وبعض الأطراف الإسرائيلية، رفضت مصر بشكل قاطع أي محاولة لتهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، مؤكدة أن هذا “خط أحمر” يتعلق بالأمن القومي المصري.
كما شددت القاهرة على ضرورة وقف إطلاق النار الفوري، ودعت المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته، محذرة من أن استمرار العدوان سيؤدي إلى كارثة إنسانية إقليمية.
استضافت مصر عدة جولات من المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، وأدارت حوارات معقدة بشأن صفقات تبادل الأسرى. كما شاركت في تنسيق دخول المساعدات من دول أخرى عبر معبر رفح، مما يعزز دورها كمركز عبور إنساني إقليمي.
لكن تبقى الانقسامات الفلسطينية الداخلية من أبرز التحديات التي تعيق جهود الوساطة المصرية، رغم تكرار مبادرات المصالحة التي قادتها القاهرة بين فتح وحماس.
ورغم تغير الظروف الإقليمية والدولية، تظل مصر متمسكة بثوابت راسخة:
رفض التهجير القسري من غزة إلى سيناء.
دعم حل الدولتين وقيام دولة فلسطينية على حدود 1967.
السعي لإنهاء الانقسام الفلسطيني وتحقيق وحدة الصف الوطني.
استمرار الدور الإنساني والسياسي كقوة توازن في الإقليم.
منذ نكبة 1948 وحتى حرب 2023، ظلّت مصر في قلب المشهد الفلسطيني، تتحرك بين خطوط النار والدبلوماسية، وتدير توازنًا دقيقًا بين الأمن القومي والدور التاريخي. ومع استمرار الحرب، يبدو أن القاهرة ليست فقط جزءًا من المعادلة، بل أحد ركائزها التي لا تستقيم من دونها.
تعليقات 0