1 مايو 2025 08:31
سيناء الإخبارية
سيناء الإخبارية

ملف الإيجار القديم.. تعديلات تشريعية على طريق التوازن بين المالك والمستأجر

في ظل الاضطرابات الاقتصادية وارتفاع أسعار العقارات بشكل متسارع في مصر، يظل قانون الإيجار القديم واحدًا من أكثر القضايا الشائكة التي تثير الجدل بين أطراف العلاقة الإيجارية، إذ يتقاطع فيه البعد الإنساني والاجتماعي مع الحقوق القانونية والدستورية للملكية الخاصة. ورغم محاولات الدولة الحثيثة لإحداث توازن عادل في هذا الملف، إلا أن المعضلة ما زالت قائمة وتتطلب حلولًا أكثر جرأة وعدالة.

في مارس 2022، دخل حيز التنفيذ القانون رقم 10 لسنة 2022، والذي يعد من أبرز الخطوات التشريعية التي اتخذت في سبيل معالجة خلل الإيجارات القديمة. ينص هذا القانون على إخلاء الوحدات المؤجرة للأشخاص الاعتباريين لغير غرض السكن، مثل مقار الشركات والمحال الإدارية، لتعود ملكيتها إلى المالك بقوة القانون، وذلك بعد فترة انتقالية محددة.

كما أقر القانون زيادة سنوية قدرها 15% على القيمة الإيجارية لتلك الوحدات، وهي زيادة تهدف إلى تقليل الفجوة بين الإيجار القديم وسعر السوق، وتطبق هذه الزيادة لمدة خمس سنوات.

يؤكد الدكتور مصطفى أبو عمرو، أستاذ القانون المدني، أن هذه الخطوة رغم أهميتها، لا تزال غير كافية لتحقيق التوازن المطلوب.

أشار إلى أن القانون الحالي يطبق فقط على فئة محددة من المستأجرين، ولا يشمل الوحدات السكنية المؤجرة للأشخاص الطبيعيين، والتي ما تزال تخضع لإيجارات رمزية لا تتناسب إطلاقًا مع أسعار السوق الحالية أو تكلفة صيانة العقارات.

وأضاف أبو عمرو أن استمرار الإيجارات المنخفضة يمثل عبئًا كبيرًا على الملاك الذين يعجزون عن ترميم أو تطوير ممتلكاتهم، وهو ما يسهم في تدهور البنية العقارية في المدن الكبرى. واعتبر أن هناك “إخلالًا واضحًا بحقوق الملكية الخاصة”، حيث يُحرم المالك من ممارسة حقه الطبيعي في التصرف في ملكيته.

من منظور اقتصادي، يرى الدكتور أبو عمرو أن تعديل قانون الإيجار القديم يمكن أن يشكل نقطة تحول في السوق العقاري المصري، إذ يسهم في جذب المستثمرين وتحفيز المطورين العقاريين على تحسين جودة الوحدات السكنية، وزيادة المعروض العقاري، خاصة في المناطق القديمة التي تعاني من الجمود.

ويؤكد أن التشريعات الجديدة لا تستهدف الإضرار بالمستأجرين، بل توفر لهم فترة انتقالية مناسبة، مع فتح المجال أمام الاستفادة من مشروعات الإسكان الاجتماعي، خاصة لذوي الدخول المحدودة، بما يحقق نوعًا من العدالة الاجتماعية.

أحد الملامح الأساسية للمشروع الجديد هو وضع ضوابط واضحة لحالات الإخلاء القانوني. فبعد انتهاء الفترة الانتقالية، وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق جديد بين المالك والمستأجر، يحق للأول اللجوء إلى القضاء للمطالبة بالإخلاء. ومع ذلك، يشجع القانون على الوصول إلى اتفاق ودي بين الطرفين من خلال توقيع عقود إيجار جديدة بشروط عادلة.

ويفتح هذا الباب نحو علاقات إيجارية أكثر مرونة وتوافقًا مع الواقع، حيث تكون العلاقة التعاقدية خاضعة لمبدأ الرضا المتبادل لا الإلزام التاريخي.

في الوقت الذي تُطرح فيه مسودات ومقترحات لتعديل قانون الإيجار القديم، تبرز الحاجة الملحة إلى حوار وطني يضم ممثلين عن الملاك، والمستأجرين، والخبراء، وصناع القرار، للخروج برؤية تشريعية متكاملة تراعي كافة الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية.

فالهدف ليس فقط تعديل القانون، بل إعادة صياغة العلاقة بين المالك والمستأجر على أساس من العدالة، والشفافية، والواقعية، بما يحفظ كرامة الطرفين ويضمن حقوقهما دون أن يتضرر أحد.

يبقى ملف الإيجار القديم من الملفات الحساسة التي تتطلب معالجة دقيقة ومتوازنة. وبين ضرورة احترام حق الملكية، وحماية الفئات غير القادرة من المستأجرين، تتطلب المرحلة القادمة قرارات أكثر جرأة، وسياسات اجتماعية مساندة، وتشريعات تستوعب المتغيرات الاقتصادية الراهنة.

فالعدالة الحقيقية لا تتحقق بإرضاء طرف على حساب آخر، بل بوجود منظومة قانونية مرنة تحفظ الحقوق وتحفز التنمية وتضمن المصلحة العامة.