ميرتس في إسرائيل.. زيارة محورية تعيد رسم مسار العلاقة بين برلين وتل أبيب

تشكّل زيارة المستشار الألماني فريدريش ميرتس إلى إسرائيل واحدة من أبرز المحطات السياسية في الآونة الأخيرة، ليس فقط لأنها تأتي بعد فترة اتسمت بتوتر نسبي بين الجانبين، ولكن أيضًا لأنها تزامنت مع وصول أول دفعة من منظومة الدفاع الصاروخي “السهم 3” إلى ألمانيا، والتي تعد من أهم أدوات التعاون العسكري بين البلدين.
الزيارة جاءت في توقيت يحمل دلالات واضحة على رغبة برلين في إعادة تثبيت التحالف التقليدي مع تل أبيب، بالتوازي مع إعادة ضبط خطابها السياسي تجاه التطورات الإقليمية.
منذ إعلان برلين تخفيف القيود التي كانت مفروضة على صادرات الأسلحة إلى إسرائيل، بدا أن ألمانيا تتحرك في اتجاه إعادة بناء الثقة المتبادلة، خاصة بعد الجدل الذي شهدته الأسابيع الماضية بشأن الموقف الألماني من بعض العمليات العسكرية الإسرائيلية.
ومع وصول منظومة “السهم 3″، بدا أن التعاون الأمني يعود تدريجيًا إلى وتيرته السابقة، بل وربما إلى مستوى أعلى من حيث التنسيق والتفاهم.
زيارة ميرتس تسعى من جانب آخر إلى معالجة تراكمات الفترة الماضية، خصوصًا أن العلاقات الألمانية–الإسرائيلية كانت دائمًا قائمة على أسس ثابتة تتعلق بالتاريخ والالتزام السياسي والأمني.
ولعل اللقاء المنتظر بين ميرتس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يشكل محورًا أساسيًا في الزيارة، حيث من المتوقع أن يتناول الطرفان مستقبل التعاون الدفاعي، وسبل تعزيز الشراكة الاستراتيجية في ظل المتغيرات المتسارعة في المنطقة.
ويشير مراقبون إلى أن الحكومة الألمانية تحاول من خلال هذه الزيارة إرسال رسالة مزدوجة: الأولى لإسرائيل مفادها أن برلين ما زالت شريكًا موثوقًا رغم الخلافات التي طفت على السطح خلال الأشهر الماضية، والثانية للمجتمع الدولي بأنها متمسكة بدور متوازن يحافظ على مصالحها الأمنية دون التخلي عن مواقفها السياسية.
على جانب آخر، تأتي الزيارة في سياق داخلي ألماني معقّد، إذ تواجه برلين ضغوطًا سياسية وإعلامية بشأن سياساتها الخارجية، خاصة تلك المتعلقة بالشرق الأوسط.
وفي هذا الإطار، تمثل زيارة إسرائيل خطوة لافتة في مسار ميرتس الذي يحتاج لإظهار ثبات في الملفات الخارجية، خصوصًا أن المعارضة الألمانية كانت قد اتهمت الحكومة في الفترة الأخيرة بالتذبذب في مواقفها تجاه تل أبيب.
ويرى محللون أن وصول منظومة “السهم 3” يشكل بحد ذاته نقطة تحول. فالمنظومة ليست مجرد صفقة عسكرية، بل هي رسالة سياسية تعكس مستوى الثقة المتبادلة، خاصة أن إسرائيل لا تصدّر هذا النوع من الأنظمة المتقدمة إلا لدول تتوافر فيها أعلى معايير التحالف الاستراتيجي.
وبالنسبة لألمانيا، فإن هذه المنظومة جزء من خطة أكبر لتعزيز قدراتها الدفاعية في ظل البيئة الأمنية المتوترة في أوروبا.
كما تُظهر الزيارة رغبة ألمانية في استمرار التنسيق مع إسرائيل تجاه الملفات الإقليمية، بما في ذلك التغيرات السياسية في المنطقة، وطبيعة التحديات الأمنية المشتركة، ومسارات التهدئة.
ومن المتوقع أن يناقش الجانبان الخطوط العامة للتعاون المستقبلي، بما يضمن الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية التي امتدت لعقود طويلة.
في المحصلة، تعكس زيارة ميرتس لإسرائيل بداية مرحلة جديدة في العلاقات الثنائية، قد تحمل في طياتها إعادة صياغة للتعاون العسكري والسياسي في ظل واقع إقليمي متغير.
وبرغم الملفات العالقة التي تحتاج وقتًا لمعالجتها، إلا أن المؤشرات الحالية توضح أن الطرفين يسعيان بجدية لإعادة بناء الثقة وتأكيد الشراكة على الأسس التي طالما ميّزت علاقتهما.


تعليقات 0