13 سبتمبر 2025 02:08
سيناء الإخبارية
سيناء الإخبارية

نتنياهو يصر على خطة احتلال غزة رغم التحذيرات الأمنية

في مشهد يعكس حجم التوتر داخل المؤسسة الإسرائيلية، كشفت هيئة البث الرسمية في إسرائيل عن انتهاء اجتماع أمني مطوّل عقده رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، خُصص لبحث خطط احتلال مدينة غزة. الاجتماع الذي استمر خمس ساعات متواصلة حضره كبار الوزراء وقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية، وانتهى بتجديد التحذيرات من مخاطر العملية المرتقبة على مستقبل الأسرى الإسرائيليين وعلى الوضع الأمني والسياسي داخل إسرائيل.

تحذيرات أمنية من “كارثة محتملة”

وبحسب مصادر مطلعة تحدثت للهيئة، فإن القيادات الأمنية أبلغت نتنياهو بشكل واضح أن الهجوم الواسع على مدينة غزة لن يعرّض حياة الأسرى للخطر فحسب، بل سيؤدي إلى مقتل عدد منهم بشكل مؤكد. ورغم هذه التحذيرات، أصر رئيس الوزراء الإسرائيلي على المضي قدماً في خطته لاحتلال المدينة خلال الأسبوع المقبل، في خطوة وصفتها أوساط إسرائيلية بأنها “مغامرة غير محسوبة” قد تنتهي بنتائج كارثية.

أزمة السيطرة على السكان

المسؤولون الأمنيون أضافوا أن العملية العسكرية ستفرض واقعاً شديد التعقيد على إسرائيل، إذ ستجد نفسها مضطرة للسيطرة على مئات آلاف الفلسطينيين الذين لن يغادروا المدينة، وهو ما يعني تحمل مسؤوليات إنسانية ضخمة تشمل توفير الغذاء والدواء والاحتياجات الأساسية لهم. وأكد هؤلاء أن إسرائيل لا تملك القدرة على مواجهة مثل هذه الأعباء، فضلاً عن أن أي عملية احتلال ستستمر لفترة أطول بكثير مما يعلنه المستوى السياسي، ما يهدد بتورط طويل الأمد في حرب استنزاف جديدة.

انتقادات داخلية وخارجية

الاجتماع الأمني يأتي في سياق موجة متصاعدة من الانتقادات لنتنياهو، سواء من داخل إسرائيل أو خارجها. فإعلانه الواضح عن نية حكومته احتلال مدينة غزة أثار عاصفة من الجدل، حيث اعتبر معارضون إسرائيليون أن الخطوة قد تكلّف الجيش خسائر فادحة من دون أن تحقق مكاسب سياسية ملموسة. بعض الأصوات ذهبت إلى وصف التوجه بأنه محاولة للهروب من أزمات داخلية وضغوط قضائية تلاحق نتنياهو، أكثر من كونه خطة استراتيجية مدروسة.

غضب عائلات الأسرى

على الجانب الآخر، صعّدت عائلات الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة من خطابها ضد نتنياهو، متهمة إياه بعرقلة صفقة شاملة كانت ستفضي إلى الإفراج عن جميع المحتجزين. هذه العائلات ترى أن رئيس الوزراء يستخدم ملف الأسرى كورقة سياسية لتعزيز مواقفه، بينما تتضاءل فرص إنقاذهم مع استمرار العمليات العسكرية. وتشير تقديرات إسرائيلية إلى وجود 48 أسيراً في غزة، بينهم نحو 20 لا يزالون على قيد الحياة، فيما يقبع أكثر من 10 آلاف و800 أسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية، يعانون أوضاعاً وصفتها منظمات حقوقية بأنها تصل إلى مستوى التعذيب والتجويع والإهمال الطبي، وقد أودت بحياة العديد منهم.

عملية “عربات جدعون 2”

تأتي هذه التطورات بعد أيام قليلة من إطلاق الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية جديدة حملت اسم “عربات جدعون 2″، استهدفت مدينة غزة بالكامل في شمال القطاع. العملية وُصفت بأنها محاولة تمهيدية للاحتلال الشامل، لكنها أثارت موجة واسعة من الاحتجاجات داخل إسرائيل، ليس فقط خوفاً على مصير الأسرى، بل أيضاً خشية من الخسائر البشرية الكبيرة بين صفوف الجنود.

موقف حماس والخيارات المسدودة

في المقابل، تؤكد حركة حماس مراراً استعدادها لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين دفعة واحدة، شرط إنهاء الحرب وانسحاب الجيش من غزة والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين. لكن نتنياهو، الذي يواجه اتهامات جنائية دولية، يرفض هذه المبادرات ويتمسك بخيار الحرب والاحتلال، ما يعكس عمق المأزق السياسي الذي تعيشه حكومته.

حرب إبادة مستمرة

تجري هذه التطورات في ظل استمرار الحرب التي وصفتها منظمات دولية بأنها “إبادة جماعية” بدعم أمريكي كامل. فمنذ السابع من أكتوبر 2023، ارتكبت إسرائيل سلسلة من المجازر في غزة، أسفرت حتى الجمعة عن استشهاد أكثر من 64 ألفاً و756 فلسطينياً، وإصابة 164 ألفاً و59 آخرين، معظمهم من الأطفال والنساء. كما خلّفت الحرب مئات آلاف النازحين، فيما تسببت المجاعة الناتجة عن الحصار في وفاة 413 فلسطينياً، بينهم 143 طفلاً، وفق تقارير فلسطينية ودولية.

مستقبل غامض

في ظل هذه المعطيات، يبدو أن إصرار نتنياهو على المضي في خيار الاحتلال يضع إسرائيل أمام مأزق تاريخي قد تتجاوز تداعياته حدود غزة نفسها. فالخطة العسكرية تفتقر إلى استراتيجية خروج واضحة، وتثير أسئلة حول قدرة تل أبيب على تحمل أكلاف السيطرة على مدينة مكتظة بالسكان، وسط أزمة إنسانية خانقة ورفض دولي متزايد. وبين تحذيرات الأمن ومعارضة الداخل وضغوط الخارج، يقف نتنياهو عند مفترق طرق قد يحدد ليس فقط مستقبل غزة، بل أيضاً مستقبل حكومته ومكانته السياسية.