13 ديسمبر 2025 01:46
سيناء الإخبارية
سيناء الإخبارية

«نظام دولي جديد».. كيف يعيد ترامب رسم خريطة القوى العالمية؟

يشهد العالم تحولًا كبيرًا في فلسفة إدارة العلاقات بين القوى العظمى مع عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، إذ تتجه سياساته نحو قلب المفاهيم التي حكمت السياسة الخارجية الأمريكية خلال العقد الماضي.

فبدلًا من سياسة المواجهة التي تبنتها واشنطن أمام الصين وروسيا، يسعى ترامب إلى نهج يعتمد على عقد الصفقات وإقامة شراكات مرنة، حتى لو اقتضى الأمر تقليص التوترات مع خصوم الأمس. هذا التحول لا يعكس فقط رؤية جديدة لواشنطن، بل يعيد صياغة موازين القوى في نظام عالمي يتشكل من جديد أمام أعين الجميع.

تحول جذري في الاستراتيجية الأمريكية


على مدار سنوات، قامت السياسة الخارجية الأمريكية على قناعة راسخة بأن الصين تهدف إلى التفوق على الولايات المتحدة، وأن روسيا تسعى إلى زعزعة نفوذها، وأن تعزيز التحالفات في أوروبا وآسيا هو السبيل إلى الحفاظ على القيادة العالمية.

لكن الاستراتيجية الجديدة للأمن القومي في عهد ترامب تنقض هذه الرؤية التقليدية، إذ تؤكد أن الولايات المتحدة لا يجب أن تنخرط في شؤون الدول الأخرى إلا حين تتعرض مصالحها المباشرة للخطر، في خطوة تعكس توجهًا واضحًا لتقليص الدور الأمريكي العالمي لصالح نهج انتقائي قائم على المصالح البحتة.

من الصدام إلى التقارب مع الصين


في فترة ترامب الأولى، اتهمت إدارته الصين بارتكاب انتهاكات واسعة في شينجيانج، وفرضت عقوبات على شركات كبرى مثل هواوي، كما سعت لحظر تطبيق تيك توك.

غير أن عودته إلى السلطة حملت معها تحولًا لافتًا في العلاقة بين البلدين، بدأ بتصعيد اقتصادي عبر فرض رسوم جديدة قبل أن يتوصل لاحقًا إلى هدنة مع الرئيس الصيني شي جين بينج.

ومع الوقت بدأ ترامب يظهر كأحد أبرز الداعمين للتقارب مع بكين، فخفض من نبرة المواجهة، وتراجع عن فرض عقوبات مرتبطة بعمليات اختراق إلكترونية، بل انحاز علنًا إلى الجانب الصيني خلال التوتر الأخير بين بكين وطوكيو حول تايوان، داعيًا رئيسة الوزراء اليابانية إلى التهدئة.

كما أعلن عزمه زيارة بكين في أبريل المقبل، على أن يزور الرئيس الصيني واشنطن في 2026.

تجارة ومصالح متبادلة


عززت الهدنة التجارية التي تمت في أكتوبر من توجه ترامب الجديد، إذ وافقت الصين على اتخاذ إجراءات ضد الفنتانيل، وشراء منتجات زراعية أمريكية، وضمان استمرار تدفق العناصر الأرضية النادرة.

وترافق ذلك مع خطوة مفاجئة تمثلت في رفع الحظر عن توريد رقائق H200 الصينية من شركة إنفيديا، في إشارة إلى رغبة واشنطن في الحفاظ على هيمنتها التقنية عبر السماح للصين بالوصول إلى منتجات معينة، مع إبقاء القيود قائمة على الشرائح الأكثر تطورًا.

هذا النهج يعكس تراجعًا عن سياسة “الجدار التكنولوجي” التي بدأ بناؤها في ولاية ترامب الأولى.

صياغة علاقة جديدة مع روسيا


التحول في التعامل مع روسيا يسير على الخط نفسه، من المواجهة والصدام إلى البحث عن توافقات وتفاهمات استراتيجية؛ فمبعوثو ترامب يمارسون ضغوطًا كبيرة على أوكرانيا للتنازل عن منطقة دونباس بالكامل لصالح موسكو، في إطار تصور أمريكي لمرحلة جديدة من الاستقرار تقوم على الاعتراف بمناطق النفوذ.

بالتوازي، يجري إعداد خطة سلام مكونة من 28 بندًا تتضمن تعاونًا اقتصاديًا طويل المدى في قطاعات الطاقة والذكاء الاصطناعي والمعادن النادرة.

كما عبّر ترامب عن دعمه لإعادة روسيا إلى مجموعة السبع، وإعادة دمجها في النظام الدولي، معتبرًا أن ذلك يخدم الاستقرار العالمي أكثر من عزلها.

إعادة ترتيب مناطق النفوذ في النظام الدولي الجديد


لا تخفي إدارة ترامب رؤية واضحة تقوم على أن الاستقرار العالمي يتطلب الاعتراف بمناطق نفوذ القوى الكبرى، إذ ترى واشنطن أن دورها الأساسي هو تأمين نفوذها في نصف الكرة الغربي، ومواجهة نفوذ الصين وروسيا في مناطق مثل فنزويلا، مع تحذيرهما من التمدد في “الفناء الخلفي” لأمريكا.

وفي الوقت نفسه، تتبنى الإدارة موقفًا أكثر حدة تجاه الاتحاد الأوروبي، الذي يعتبره ترامب مشروعًا متداعيًا لهذا النظام الليبرالي الذي يسعى إلى إعادة تشكيله.