24 نوفمبر 2025 04:22
سيناء الإخبارية
سيناء الإخبارية

45 عامًا على رحيل «المعلم الأول».. الحصري مدرسة التلاوة الراسخة عبر الزمن

تحل اليوم الذكرى الرابعة والأربعون لرحيل الشيخ محمود خليل الحصري، أحد أبرز المقرئين في تاريخ مصر والعالم الإسلامي، الذي لم يكن مجرد صاحب صوت خاشع، بل كان مشروعًا علميًا متكاملًا أسهم في تأسيس مدرسة راسخة للتلاوة الصحيحة.

وقدّم الحصري للقرآن ما لم يقدمه غيره عبر رحلة امتدت لأكثر من أربعة عقود، حتى أصبح اسمه مرادفًا للقراءة المحققة التي تقوم على الدقة والانضباط والابتعاد عن التكلف والزخرفة، ليبقى أثره حاضرًا في وجدان الأمة حتى يومنا هذا.

البدايات من قرية شبرا النملة
وُلد الشيخ محمود خليل الحصري في السابع عشر من سبتمبر عام 1917 بقرية شبرا النملة التابعة لطنطا في محافظة الغربية.

ومنذ طفولته ظهرت عليه ملامح النبوغ، فألحقه والده بكتاب القرية وهو في الرابعة من عمره، ليتم حفظ القرآن كاملًا وهو في الثامنة، وهو إنجاز نادر في ذلك الوقت.

وبعد حفظ القرآن انتقل إلى معهد طنطا الديني حيث تلقى علوم التجويد والقراءات، ثم تخصص في القراءات العشر وحصل على إجازاتها من كبار علماء عصره، الأمر الذي شكّل الأساس لمنهجه العلمي الصارم في الأداء.

انطلاقة إذاعية صنعت تاريخ التلاوة
في عام 1944 تقدم الحصري لاختبار الإذاعة المصرية ونجح بتفوق ليفتح هذا النجاح بابًا جديدًا في مسيرته، ويجعله واحدًا من أهم الأصوات التي عرفتها الإذاعة.

وكان أول من سجّل المصحف المرتل كاملًا للإذاعة، وهو حدث غيّر علاقة المستمعين بالقرآن، إذ أصبحت تسجيلاته مرجعًا عالميًا للتلاوة الصحيحة.

ولم يقتصر عطاؤه على رواية حفص، بل سجّل المصحف بروايات ورش وقالون والدوري والسوسي، ليصبح أول قارئ يجمع هذا الكم من الروايات بصوته.

شيخ المقارئ ومهندس ضبط المصحف الشريف
تولى الحصري عددًا من المناصب المهمة، من بينها منصب شيخ عموم المقارئ المصرية، ورئاسة لجنة المصحف الشريف بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، والمشاركة في لجان مراجعة المصحف في مصر والعالم العربي.

وكان لدوره أثر كبير في ضبط قواعد كتابة المصحف وتنقيحه، واعتماد طبعات معتمدة لا تزال بصماته واضحة فيها حتى اليوم، ليصبح أحد أهم المراجع في تاريخ تحقيق المصحف.

رحلات عالمية حملت صوت القرآن للعالم
لم يكن تأثير الحصري محليًا فقط، بل تعدى حدود مصر إلى مختلف أنحاء العالم، حيث زار عشرات الدول في آسيا وإفريقيا وأوروبا.

وكان أول من يرفع الأذان في مقر الأمم المتحدة بنيويورك عام 1967، كما تلا القرآن في الكونجرس الأمريكي في مشهد تاريخي بقي محفورًا في ذاكرة العالم الإسلامي.

وحمل الحصري في تلك الرحلات رسالة القرآن بصوته الواضح الخاشع، فأثّر في ملايين المستمعين من المسلمين وغير المسلمين.

مدرسة الأداء المحقق
امتازت تلاوة الحصري بالقراءة المحققة التي تعتمد على التمهل ووضوح المخارج وانضباط القواعد، ما جعله النموذج الأول للمتعلمين والدارسين، والأساس الذي اعتمدت عليه المؤسسات الدينية والأزهر في مناهج التجويد.

وكان يؤكد دائمًا أن القرآن يجب أن يُقرأ كما أُنزل، بلا زيادة ولا زخرفة، وهو ما انعكس في تسجيلاته التي أصبحت مرجعًا عالميًا للقارئين.

رحيل مدرسة كاملة وبقاء الأثر
في الرابع والعشرين من نوفمبر عام 1980، رحل الشيخ محمود خليل الحصري عن عمر ناهز الثالثة والستين، بعد حياة حافلة بالعطاء العلمي والروحاني.

شُيّعت جنازته من مسجد سيدنا الحسين في القاهرة وسط حضور رسمي وشعبي كبير، ونعاه العلماء والمؤسسات الدينية في أنحاء العالم.

ورغم مرور أربعة عقود على رحيله، لا تزال تسجيلاته تُدرّس في المعاهد وتُسمع في البيوت والمساجد، ولا تزال مدرسته الصوتية علامة مضيئة في سماء دولة التلاوة، وتراثًا خالدًا يؤثر في أجيال جديدة من القراء والمتعلمين.