6 أكتوبر 2025 17:40
سيناء الإخبارية
سيناء الإخبارية

الآثار تكشف مقر معسكر جيش أحمس بالأقصر.. موقع استراتيجي قاد نهاية الهكسوس

في قلب الجنوب المصري، وتحديدًا بين الجبلين الأثريين بمدينة إسنا، تتكشف صفحة جديدة من التاريخ المصري القديم، حيث حددت وزارة السياحة والآثار موقع معسكر جيش الملك أحمس الذي انطلقت منه شرارة تحرير مصر من الهكسوس، في منطقة استراتيجية تُعد من أهم المناطق الأثرية البكر بمحافظة الأقصر.

المنطقة، التي تبعد نحو 55 كيلومترًا جنوب الأقصر، تزخر بآثار تمتد من عصور ما قبل الأسرات وحتى العصر اليوناني الروماني، وتُعرف بأنها موطن لأشهر مومياء في التاريخ، مومياء “جنجر” المعروضة بالمتحف البريطاني، والتي تُعد أقدم مومياء مكتشفة حتى الآن.

ويؤكد الدكتور وجدي عبد الغفار، مدير عام آثار الأقصر، أن الموقع الأثري ينقسم إلى منطقتين رئيسيتين هما الجبل الشرقي (جبل الشيخ موسى) والجبل الغربي، مشيرًا إلى أن هذه المنطقة لم تكن مجرد موقع ديني لعبادة الإلهة حتحور فحسب، بل كانت أيضًا مقرًا عسكريًا لجيش أحمس خلال معاركه الحاسمة ضد الغزاة الهكسوس، ما يجعلها أحد أهم المراكز العسكرية في التاريخ المصري القديم.

وتواصل البعثة البولندية العاملة بالموقع أعمال الحفائر والمسح الأثري الميداني والتوثيق ثلاثي الأبعاد (3D)، بهدف إعادة بناء ملامح المدينة البطلمية القديمة “باثيريس” أو ما عُرف بـ”بيت الإلهة حتحور”، والتي كانت عاصمة الإقليم المحلي في القرن الثاني قبل الميلاد، حيث عُثر على أكثر من 1300 وثيقة ديموطيقية ويونانية تلقي الضوء على تفاصيل الحياة اليومية والإدارة في تلك الفترة.

كما كشفت الدراسات الحديثة عن أدوات نحاسية ومصنوعات يدوية قديمة تؤكد ممارسة سكان المنطقة لصناعة المعادن والفخار منذ فجر التاريخ، فضلًا عن توثيق المقابر الصخرية من عصر الدولة القديمة والفترة الانتقالية الأولى، التي تعكس التحولات السياسية والإدارية الكبرى في مصر القديمة.

ويقول الطيب غريب، المدير السابق بمعابد الكرنك، إن منطقة بين الجبلين كانت تعرف قديمًا باسم مدينة “التلين”، وكانت تمثل الحد الفاصل بين الإقليمين الثالث والرابع من أقاليم مصر العليا، واشتهرت بكونها معبدًا ضخمًا ومركزًا لعبادة الإلهة حتحور منذ الأسرة الثالثة.


كما نقشت على جدرانها أسماء ملوك الهكسوس مثل “أبوقيس” و”خيان أوس رع”، إلى جانب ملوك الأسرات المصرية مثل “منتوحتب” و”حبت رع”.

ويضيف أن المنطقة خرج منها واحد من أعظم عباقرة الحضارة المصرية، وهو إيمحتب، المعماري والطبيب الشهير وكاهن الملك زوسر، الذي خلد اسمه التاريخ كرمز للعبقرية الإنسانية، واعتبره الإغريق لاحقًا إله الطب والمعرفة.

اليوم، وبين جبلي إسنا، لا تزال الرمال تخفي أسرارًا جديدة عن حروب التحرير الأولى في التاريخ الإنساني، حيث وضع الملك أحمس خططه هناك لطرد الهكسوس واستعادة مجد مصر.

ومع استمرار أعمال البعثات الأثرية، يبدو أن بين الجبلين تستعد لتروي من جديد قصة الميلاد الثاني لمصر القديمة… قصة بدأت من الجنوب، من حيث نهضت الأمة ضد الغزاة، لتصنع التاريخ.