المتحف المصري الكبير يستعد لاستقبال زواره في افتتاح تاريخي مطلع نوفمبر

يترقب العالم لحظة افتتاح المتحف المصري الكبير، الذي يستعد لاستقبال ضيوفه وزواره من مختلف دول العالم في الأول من نوفمبر المقبل، ليكون الحدث الثقافي الأبرز في تاريخ مصر الحديث والمعاصر.
ويعد المتحف المصري الكبير واحدًا من أعظم إنجازات الدولة المصرية في العصر الحديث، حيث أنشئ ليكون صرحًا حضاريًا وثقافيًا وترفيهيًا عالميًا متكاملًا، ووجهة أولى لكل المهتمين بالحضارة المصرية القديمة.
ويعتبر أكبر متحف في العالم مخصص لعرض التراث المصري، إذ يروي قصة حضارة تمتد لآلاف السنين من خلال مجموعة ضخمة من القطع الأثرية النادرة، وعلى رأسها كنوز الملك الذهبي توت عنخ آمون، التي تعرض كاملة لأول مرة منذ اكتشاف مقبرته عام 1922، إضافة إلى متحف مراكب الملك خوفو ومقتنيات أثرية أخرى فريدة.
ويضم المتحف المصري الكبير بين أروقته مرافق متعددة للأنشطة الثقافية والتعليمية والترفيهية، منها متحف للأطفال، ومركز تعليمي متطور، وقاعات عرض مؤقتة، وسينما حديثة، ومركز مؤتمرات مجهز، إلى جانب مناطق تجارية تشمل متاجر وكافيتريات ومطاعم، وحدائق ومساحات خضراء مفتوحة للزوار.
ويعمل المتحف على تحقيق أهدافه من خلال استخدام أحدث التقنيات في العرض المتحفي والتوثيق الرقمي وتسجيل القطع الأثرية، إلى جانب حفظها وتأمينها ودراستها وصيانتها وترميمها.
كما ينظم المعارض الدائمة والمؤقتة داخل مصر، ويعقد الندوات والمؤتمرات العلمية والثقافية، فضلًا عن نشر الوعي الحضاري بين النشء والمجتمع المصري بأهمية التاريخ والتراث الوطني.
وفي هذا الإطار، أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان، عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة ورئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية، أن المتحف المصري الكبير يضم قطعًا فريدة تُعرض لأول مرة، تم نقلها من متاحف مصرية متعددة، بينها 500 قطعة من مكتشفات مقبرة توت عنخ آمون، تُعرض جميعها لأول مرة أمام الجمهور.
وأشار إلى أن من بين هذه القطع كرسي الاحتفالات الشهير الخاص بالملك توت عنخ آمون، الذي تم العثور عليه في الممر المؤدي إلى المقبرة، إضافة إلى المقصورة الخشبية المذهبة الخاصة بالأواني الكانوبية ومجموعة الحلي والقلادات المصنوعة من الذهب والعقيق.
ولفت إلى أن الكرسي يعد من أروع نماذج الفن المصري في الدولة الحديثة، إذ يتميز بتطعيمه بالعاج والأبانوس والفيانس والذهب، ويظهر في منتصفه قرص الشمس تعلوه الإلهة نخبت ببسط جناحيها، بينما يزدان مسند القدمين بزخارف من رقائق الذهب تمثل أعداء مصر التسعة.
وأوضح ريحان أن عرض المجموعة الكاملة لمقتنيات مقبرة توت عنخ آمون في مكان واحد يمثل حدثًا عالميًا فريدًا يميز المتحف المصري الكبير، حيث سيتم عرض 5300 قطعة أثرية نقلت من المتحف المصري بالتحرير ومتحف الأقصر والمتحف الحربي، من بينها القناع الذهبي الشهير لتوت عنخ آمون الذي يعد أثمن قطعة أثرية في العالم، وستعرض هذه المقتنيات داخل قاعتين ضخمتين تبلغ مساحة كل منهما 7 آلاف متر مربع، إلى جانب عروض افتراضية تروي قصة اكتشاف المقبرة.
وأضاف أن القناع الذهبي لتوت عنخ آمون يُعتبر رمزًا دينيًا وجنائزيًا للحماية الإلهية للملك في رحلته إلى العالم الآخر، إذ يغطي رأس المومياء لحمايتها ويُجسد فكرة الألوهية الملكية ووحدة البلاد، وتظهر عليه تعويذة من كتاب الموتى التي تجسد الحماية الإلهية الكاملة للمتوفى. وأشار إلى أن القناع والهرم الأكبر يمثلان رمزين خالدين لمصر، وهما أول ما يسعى الزوار لمشاهدته عند قدومهم إلى البلاد.
وبين ريحان أن كنوز توت عنخ آمون تمثل أكمل كنز ملكي مكتشف في التاريخ، حيث تضم مجموعة نادرة من التحف المصنوعة بمهارة فائقة خلال أزهى عصور الدولة الحديثة التي شهدت ازدهار العلاقات العسكرية والتجارية مع الشرق الأدنى القديم.
كما أوضح أن المتحف الكبير سيعرض المراكب الجنائزية المعروفة خطأ بمراكب الشمس، والتي اكتُشفت عام 1954 عند قاعدة الهرم الأكبر على يد عالم الآثار كمال الملاخ. وتضم هذه المراكب 1224 قطعة من خشب الأرز بينها خمسة أزواج من المجاديف ومقصورة مذهلة التصميم، وقد تم نقلها وترميمها لتُعرض كاملة داخل المتحف.
وأكد أن مركب خوفو الثانية، المكونة من نحو 1200 قطعة، سترمم أمام الزوار لمدة ثلاث سنوات داخل المتحف بواسطة فريق مصري وبعثة يابانية من الجايكا، ليصبح الترميم جزءًا من تجربة الزائر التعليمية المباشرة.
كما أشار إلى نقل 778 قطعة أثرية من الأقصر إلى المتحف في مارس 2016 وسط إجراءات تأمين مشددة، باستخدام أحدث تقنيات التغليف والنقل وفقًا للمعايير العالمية، وتعود أغلبها إلى عصر الدولة الحديثة، من بينها تمثال ضخم للملك أمنحتب الثالث والإله حورس من الجرانيت الوردي يزن نحو 4 أطنان سيعرض على الدرج العظيم بالمتحف، إلى جانب قطع من الفخار والتوابيت ومقتنيات أخرى من الإسكندرية، وتل بسطة، وأسوان، والمنيا، وبني سويف، وسقارة، ومخازن الأقصر.
كما أوضح أن 525 قطعة أثرية نقلت من المتحف المصري بالتحرير في سبتمبر 2016، من بينها 367 قطعة من مقتنيات توت عنخ آمون، إضافة إلى نقل تمثال رمسيس الثاني إلى موقعه الدائم بالمتحف في يناير 2018 بعد أن ظل معروضًا في ميدان رمسيس منذ عام 1955، وجاءت عملية النقل للحفاظ عليه من التلوث البيئي، وشكل الحدث حينها انطلاقة رمزية لبداية العمل في هذا المشروع الثقافي العملاق.
واختتم الدكتور ريحان حديثه بالتأكيد على أن افتتاح المتحف المصري الكبير يمثل أعظم مشروع ثقافي وسياحي في العالم، ليس فقط لما يحتويه من آثار فريدة تنتمي لأقدم حضارة على وجه الأرض، بل لأنه متحف وطني يعرض آثار مصرية خالصة لم تُنهب من دول أخرى، مما يجعله شاهدًا على أصالة مصر ومكانتها الحضارية وفقًا لمعايير اليونسكو.
وأشار إلى أن توقيت الافتتاح الذي يتزامن مع بداية الموسم السياحي سيسهم في زيادة أعداد السياح بنحو 3 ملايين زائر إضافي، لترتفع أعداد السائحين من 17.8 مليون إلى 20.8 مليون بعد الافتتاح، ومع اكتمال مشروع التجلي الأعظم في سيناء يُتوقع أن يقترب عدد الزوار من 25 مليونًا، بما يحقق مستهدف الدولة للوصول إلى 30 مليون سائح بحلول عام 2030.


تعليقات 0