دير المدينة.. نموذج حضاري لتقدير العمل في مصر القديمة

في عهد الملك تحتمس الأول، وُضِعت اللبنة الأولى لما يُعرف اليوم بـ”دير المدينة”، وهي قرية خاصة أنشئت لتكون مقرًا لطائفة من أمهر العمال والفنانين الذين نُذِروا لبناء مقابر الملوك في وادي الملوك.
لاحقًا، قام الملك أمنحتب الأول بتوسعة هذه القرية، التي ضُمِنت بسياج حماية واحتوت على حوالي 70 منزلًا، لتكون موطنًا لهذه الفئة المتخصصة من الحرفيين.
العمال في دير المدينة كانوا يعملون تحت إشراف مباشر من وزير مكلّف بتوفير الأدوات والاحتياجات الغذائية، وتكوّنت الطائفة من 60 إلى 120 عاملًا، قُسّموا إلى مجموعتين، يقود كل منها رئيس عمال مسؤول عن متابعة المهام اليومية وتنظيم العمل.
ما يميز دير المدينة عن غيرها من أماكن العمل في مصر القديمة، هو النظام الدقيق في إدارة شؤون العمال، إذ اعتمدت الدولة على نظام “الجرايات” في صرف مستحقاتهم التموينية بشكل شهري، مما جعل حياتهم أكثر استقرارًا وأفضل حالًا مقارنةً بالفلاحين. الحرف التي كانوا يؤدونها اعتُبرت من الوظائف الرفيعة التي حظيت بتقدير كبير.
وتشير النصوص القديمة إلى مدى الاحترام الذي ناله العمل في المجتمع المصري، وقد عكست الرسومات على جدران المعابد هذا التقدير من خلال تصوير مختلف الطبقات المهنية في الدولة، بدءًا من الملك حتى أصغر عامل.
وإذا كانت حضارة مصر القديمة قد كرّمت العمل والعمال، فإن مصر الحديثة تسير على النهج ذاته، حيث يواصل عمال مصر دورهم التاريخي في بناء الوطن والمشاركة في المشروعات القومية، ليظلوا كما كانوا دومًا، العمود الفقري للتقدم والتنمية.
تعليقات 0