مصر تُعيد الحياة إلى قبتين نادرتين من العصرين الفاطمي والمملوكي
افتتاح رسمي لمشروع ترميمهما التاريخي بالقاهرة بدعم بريطاني

شهدت مصر اليوم لحظة استثنائية بإعادة افتتاح قبتي “يحيى الشبيه” الفاطمية و”صفي الدين جوهر” المملوكية، بعد انتهاء أعمال ترميم دقيقة أعادت لهما مجدهما المعماري وهيبتهما الأثرية.
وجاء الافتتاح الرسمي بحضور شريف فتحي، وزير السياحة والآثار، والدكتور إبراهيم صابر، محافظ القاهرة، والدكتور محمد إسماعيل خالد، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، إلى جانب السفير البريطاني لدى القاهرة جاريث بايلي، وعدد من الشخصيات الثقافية والدبلوماسية.
ويأتي هذا المشروع في إطار مبادرة “الأثر لنا”، التي نفذها مكتب “مجاورة للعمران” تحت إشراف وزارة السياحة والآثار، وبتمويل من صندوق حماية الثقافة التابع للمجلس الثقافي البريطاني، ضمن برنامج “إرث – للتراث والمناخ” الذي أُطلق عام 2023، مستهدفًا ربط الحفاظ على التراث بمواجهة آثار التغير المناخي عبر تدخلات فنية ومجتمعية وتعليمية.
وخلال الافتتاح، أبدى الوزير شريف فتحي تقديره العميق للشراكة المصرية البريطانية التي أفرزت هذا الإنجاز النموذجي، واصفًا المشروع بأنه “قصة نجاح تُجسد التعاون الفعّال لحماية الذاكرة المعمارية المصرية”، مؤكدًا حرص الدولة على تحقيق التوازن بين صون التراث وتعظيم عوائده الاقتصادية والسياحية دون المساس بقيمته البيئية والتاريخية.
وشهدت القبتان أعمال ترميم معمارية معقدة شملت توثيقًا علميًا دقيقًا، ترميم العناصر الرخامية والخشبية، معالجة الشروخ، تطوير نظم الصرف وخفض المياه الجوفية، وتزويد الموقع بأنظمة مراقبة ولافتات تعريفية، إلى جانب إعداد دليل تقني لمواجهة آثار التغير المناخي على الآثار، وتنظيم أنشطة مجتمعية وتوعوية شملت السكان المحليين.
فيما أكد الدكتور محمد إسماعيل خالد أن الترميم تم بإشراف علمي كامل من المجلس الأعلى للآثار، مع الاكتشاف العلمي لعدد من العناصر المعمارية والزخرفية النادرة، سيتم عرضها لاحقًا في معرض مستقل يسلط الضوء على القيمة الجمالية والفنية للمعلمَين.
وفي لفتة رمزية، استعرض الوزير والوفد المرافق منتجات يدوية أبدعها سكان المنطقة، مستوحاة من التراث الإسلامي، معربًا عن إعجابه بجودتها، ومؤكدًا أهمية دمج المجتمعات المحلية في مشاريع حماية التراث عبر أنشطة اقتصادية وسياحية تخلق فرصًا مستدامة، وتعزز الأمن الاقتصادي الثقافي كجزء من استراتيجية الوزارة.
كما أعلن الوزير عن إدراج القبتين على خريطة المزارات الأثرية المتاحة للزيارة، فضلاً عن إتاحتهما ضمن منصة إلكترونية للتدريب تعتزم الوزارة إطلاقها قريبًا، لتكون نموذجًا يُحتذى به في ترميم الآثار بمواجهة التحديات البيئية والمناخية.
السفير البريطاني بدوره أعرب عن فخره بهذا التعاون الفريد، مشيرًا إلى أن “القاهرة التاريخية لا تزال القلب النابض لتراث الإنسانية”، ومؤكدًا استمرار دعم بلاده لمشاريع تعزز الربط بين الثقافة والمجتمع.
قبة يحيى الشبيه: أنشأها الخليفة الفاطمي الظافر بأمر الله عام 1145-1160م، وتضم مدافن آل البيت وأقارب السيدة نفيسة، وتمثل إحدى أقدم القباب الفاطمية في مصر.
قبة صفي الدين جوهر: أنشأها أحد كبار المماليك عام 1314م، وتتميز بزخارف جصية معشقة بالزجاج وأسلوب معماري نادر من القرن الرابع عشر الميلادي.
بجانب الترميم، شمل المشروع استخدام المياه الجوفية المستخرجة في الزراعة الحضرية والتنظيف، وتوسيع المساحات الخضراء حول القبتين، تأكيدًا على فلسفة المشروع التي تدمج الحفاظ على الأثر بالاستدامة البيئية والتنمية المجتمعية.
تعليقات 0