7000 عام من العبقرية المصرية.. “النيلومتر” شاهد حضاري على أول مقياس فيضان في التاريخ

على ضفاف النيل الخالد، وتحديدًا في جزيرة أسوان الساحرة، يقف أثر فريد يروي قصة عبقرية المصريين القدماء في فهم أسرار الطبيعة والسيطرة على مواردها… إنه “النيلومتر”، أول أداة علمية لقياس منسوب المياه في التاريخ، والذي يعود عمره إلى ما يقرب من سبعة آلاف عام، ليظل شاهدًا خالدًا على العلاقة الأبدية بين المصريين ونهرهم المقدس.
لم يكن “النيلومتر” مجرد مقياس حجري أو علامات منحوتة على ضفة النهر، بل كان نظامًا متكاملًا للإنذار المبكر في مصر القديمة. من خلاله كان الكهنة يحددون موعد الفيضان أو الجفاف، ومنها تُحدد مواسم الزراعة وتُفرض الضرائب على المزارعين.
فقد كان فيضان النيل بالنسبة للمصريين القدماء قضية حياة أو فناء، وارتفاع مياهه كان يُعد هبة من الإله “حابى” رمز الخصب والعطاء.
وتنوعت أشكال “النيلومتر” عبر العصور؛ بدايةً من العلامات البسيطة على الصخور إلى الآبار العميقة والسلالم الحجرية التي تصل إلى مستوى النهر، يقرأها كبار الكهنة بدقة علمية مذهلة.
ويُعد المقياس الموجود في جزيرة أسوان أحد أبرز وأقدم هذه النماذج الباقية حتى اليوم، محتفظًا بجزء كبير من هيئته الأصلية.
ويقول الأثري نصر سلامة، مدير عام آثار أسوان والنوبة الأسبق، إن مقاييس مياه النيل كانت بمثابة شريان حياة اقتصادية وزراعية لمصر القديمة، إذ كانت تحدد مصير البلاد عامًا بعد عام، مضيفًا أنها تُعد من أعظم ابتكارات المصريين القدماء في علوم المياه والهندسة، وظلت تُستخدم حتى بدايات القرن العشرين قبل أن تتوقف عمليًا مع بناء السدود الحديثة.
ومع مرور القرون، تطورت علاقة المصريين بالنيل من المراقبة إلى التحكم العلمي والهندسي، بدءًا من استدعاء العالم ابن الهيثم في القرن الحادي عشر لتنظيم الفيضان، وصولًا إلى بناء خزان أسوان عام 1902 في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني، ثم السد العالي العظيم في عهد الزعيم جمال عبد الناصر، الذي أنهى عمليًا عصر الفيضان الطبيعي وفتح باب العصر الحديث لإدارة المياه.
وهكذا يبقى “النيلومتر” في أسوان ليس مجرد أثر حجري، بل رمزًا لعبقرية أمة سبقت عصرها، وضعت أول أسس القياس العلمي للطبيعة، وعلّمت العالم أن النيل ليس مجرد نهر.. بل هو الحياة ذاتها.
تعليقات 0