قلعة آلموت.. معقل الغموض وأسطورة الحشاشين على قمم جبال فارس

فوق قمة جبل شاهق بارتفاع 2,100 متر، وبطريق منحدر يصعب اختراقه، تقف أطلال قلعة “آلموت” كشاهد على واحدة من أكثر الفترات غموضًا ودرامية في التاريخ الإسلامي والفارسي.
القلعة، التي تعني بالفارسية “عش العقاب”، بناها أحد ملوك الديلم القدماء، وجرى تجديدها في القرن التاسع الميلادي لتتحول فيما بعد إلى مركز رئيسي لحركة الحشاشين بقيادة الحسن الصباح.
من العزلة إلى النفوذ
فى صيف عام 1090، دخل الحسن الصباح التاريخ من بوابة “آلموت”، بعدما بسط سيطرته على القلعة، ليبدأ منها مشروعًا سياسيًا ودينيًا جريئًا يستلهم خطى الدولة الفاطمية.
تحولت القلعة سريعًا إلى عاصمة غير رسمية لطائفة الحشاشين، إحدى فروع الإسماعيلية النزارية، التى اعتمدت العمل السري والسيطرة على القلاع الجبلية لتوسيع نفوذها ومقاومة القوى السنية الكبرى مثل الخلافة العباسية والسلاجقة.
صراع مع القوى الكبرى
الحملات العسكرية ضد الحشاشين لم تتوقف منذ تأسيسهم، فقد خاض السلاجقة عدة معارك للقضاء عليهم، خاصة بعد وفاة الصباح، ولكن الطائفة تمكنت من الصمود وواصلت التوسع، معتمدة على تكتيكات الاغتيال والسيطرة على الممرات الجبلية المحصنة.
ومع تعاقب القادة مثل بزر جميد، ومحمد بن بزر جميد، والحسن بن على حفيد نزار، ازداد الصراع حدة، وتكرست آلموت كرمز للمقاومة والتحدي.
النهاية على يد المغول
لكن هذا الصمود لم يستمر إلى الأبد، فمع زحف المغول نحو الشرق، واجهت قلاع الحشاشين تهديدًا وجوديًا. وفى عام 1256، قاد هولاكو حملة دموية اجتاحت قلاعهم، فانهارت واحدة تلو الأخرى.
زعيمهم آنذاك، ركن الدين خورشاه، لم يجد بدًا من الاستسلام مقابل النجاة، لكن المغول نكثوا بوعدهم، وقتلوه وأبادوا أتباعه وأحرقوا قلعة آلموت بما فيها من مكتبة ثمينة تضم تراث الحركة وفكرها.
عودة قصيرة ونهاية محتومة
رغم تمكن بعض فلول الحشاشين من استعادة السيطرة على القلعة مجددًا عام 1275، إلا أن هذه العودة لم تدم طويلًا، وسرعان ما تلاشت الحركة تدريجيًا من المشهد السياسى الفارسى، لتتحول آلموت من مركز للنفوذ إلى أثر مهجور.
أطلال تروى تاريخًا من الغموض
اليوم، لم يتبق من “آلموت” سوى بقايا جدران ومكتبات وحدائق تشير إلى ما كانت عليه يومًا.
وفى عام 2004، سقط ما تبقى منها بفعل زلزال مدمر، لكن اسمها لا يزال محفورًا فى كتب التاريخ، ورمزًا لفترة مثيرة تداخلت فيها السياسة بالعقيدة والأسطورة بالحقيقة.
تعليقات 0