لحظات الهدوء ليست رفاهية.. بل ضرورة لإعادة التوازن الذهنى والعاطفى

وسط الضغوط اليومية المتلاحقة، بين التزامات العمل، وتفاصيل الأسرة، والمناسبات الاجتماعية، ينسى كثيرون أنفسهم تمامًا. نُرضي الجميع، نُلبّي كل الطلبات، بينما نؤجل احتياجاتنا الخاصة إلى أجل غير معلوم. ومع حلول عطلة نهاية الأسبوع، يُسرع البعض إلى إنجاز المهام المؤجلة أو حضور المناسبات، دون أن ينتبهوا إلى أن هذا الوقت هو فرصة ذهبية لإعادة التواصل مع الذات، ومنح النفس لحظة تستحقها من الراحة والهدوء.
وأكدت الدكتورة سلمى أبو اليزيد، استشاري الصحة النفسية، أن تخصيص وقت منتظم للذات هو خطوة ضرورية، وليس رفاهية كما يظن البعض. وتوضح أن العقل مهما بلغ من القوة، لا يمكنه مواصلة العمل تحت ضغط مستمر دون أن تظهر آثار سلبية خفية، قد تتجلى في التشتت الذهني، تقلبات المزاج، واضطرابات النوم.
“البحث عن لحظات هادئة وسط الضوضاء، والتنفس بعمق بعيدًا عن الإلحاح اليومي، هو ما يعيد التوازن للعقل ويمنحه فرصة لإعادة التشغيل”، تقول أبو اليزيد.
تؤكد خبيرة الصحة النفسية أن هناك خلطًا شائعًا بين الإنجاز المستمر و”القيمة الذاتية”، إذ يربط كثيرون شعورهم بالأهمية برضا الآخرين عنهم، لكن الحقيقة أن تقدير الذات يبدأ من الداخل.
عندما تخصص وقتًا لنفسك، فأنت ترسل لها رسالة واضحة: “أنت مهم، وتستحق الاهتمام”. وتضيف أبو اليزيد: “هذا النوع من التقدير لا يمكن شراؤه أو تعويضه، بل يُبنى من خلال ممارسات صغيرة ولكن صادقة، تبدأ من احترام حاجتك للهدوء والانفراد”.
في خضم العطاء المستمر، ومع كثرة الأعباء، يستهلك الإنسان طاقته العاطفية شيئًا فشيئًا. ومع مرور الوقت، قد نفقد القدرة على التفاعل أو حتى الاستمتاع بالحياة.
الاستراحة النفسية لا تعني الانسحاب، بل هي لحظة استعادة تُمكِّنك من مواصلة العطاء بروح أكثر حضورًا وبهجة. تقول أبو اليزيد: “لا أحد يستطيع أن يعطي من مخزون فارغ، حتى القلوب تحتاج إلى إعادة شحن”.
تخصيص وقت خاص بنفسك لا يعني الانعزال، بل هو جزء من توازن صحي وسليم. وتوضح أبو اليزيد أن مشاركتك الوقت مع من تحب لا تتعارض أبدًا مع تخصيص لحظاتك الهادئة، سواء عبر:
قراءة كتاب
نزهة قصيرة
لحظة تأمل في الطبيعة
ممارسة نشاط خفيف تحبه
هذه اللحظات، وإن بدت بسيطة، فهي قادرة على تجديد الطاقة الذهنية، ورفع الحالة النفسية، واستعادة صفاء الذهن.
اصنع وقتًا لنفسك، لا لأنه ترف، بل لأنه ضروري. فالهدوء لحظة مقاومة في وجه العجلة، ولحظة استحقاق في زمن الاستنزاف.
تعليقات 0