“هادية نصار” ورصاصة الغدر

آخر تحديث :
رضا نصار
رضا نصار

“أنا أقدم من إسرائيل”، كلمات عميقة المعنى أسرت بها المسنة الفلسطينية هادية نصار، قلوب الملايين فى الوطن العربى والعالم من المتضامنين مع الشعب الفلسطينى ضد المجازر الإسرائيلية، وبعد مرور أقل من 50 يومًا على ظهورها فى مقطع الفيديو واسع الانتشار عبر منصات التواصل الاجتماعى، مع المصور الصحفى وصانع المحتوى صالح الجعفراوى، استشهدت العجوز الفلسطينية صاحبة الـ79 عامًا برصاص القناصة الإسرائيليين.

 

هادية نصار مثل مئات آلاف الفلسطينيين فى قطاع غزة، تمسكت بأرضها ووطنها متحصنة بإيمانها بالله وقضيتها العادلة حتى الرمق الأخير غير مكترثة بآلة الحرب المدمرة من حولها، فكل ما يعنيها هو البقاء على الأرض حيث ولدت والتى ستدفن تحت ترابها بعدما استهدفتها رصاصات الغدر دون رحمة من سلاح قناص إسرائيلى أمام منزلها.

الجدة الفلسطينية صاحبة العينان الخضراوان، لم تكن تشكل تهديدًا لقوات الاحتلال من حيث قوتها البدنية، لكن صمودها وعدم خوفها من جرائمهم وأسلحتهم المدمرة كان الفزاعة الكبرى لهم، قتل الفلسطينية العجوز برصاص الصهاينة لم يكتب النهاية لأثرها فى الحياة، فإضافة إلى أن قتلها توثيق جديد لجرائم الكيان المحتل البشعة ضد الشعب الأعزل، فقد خُلد اسمها “أيقونة” جديدة فى تاريخ مقاومة الشعب الفلسطينى ضد مغتصبى الأرض.

الحجة هادية نصار، لم تؤثر سلامتها على مضمون القضية وهو البقاء على الأرض ورفض اقتلاع جذورها منها، فالشهيدة الجميلة ذات التجاعيد التى ترسم خطوط وجهها ملامح معاناة شعبها وشقائه تحت عدوان المحتل، رفضت التهجير واللجوء لأى مكان بعيد عن بيتها، وتمسكت بكل ما هو أصيل فى حياتها، ليس المنزل وحده بحوائطه وذكرياته عندما قالت: “أنا أقدم من إسرائيل.. أنا متمسكة بالأرض”، بل ظل عالقًا فى ذهنها أدق تفاصيله، فلم تنس مثلًا أن تذكر “الفرن” الذى تخبز فيه منذ 25 عامًا.

الآن، أصبحت هادية نصار، عنوانًا جديدًا لصمود شعب مقهور فى مواجهة كيان مغتصب، تاركة لنا مقولة لن تتوقف أذهاننا عن تذكرها وتكرارها سرًا وجهرًا، وهى تعلمنا درسًا فى أسمى معانى الانتماء للوطن، فالسيدة التى أصيبت بقصف الاحتلال فى 22 أكتوبر 2023 لم تخف وتهرب، بل استشفت من إصابتها واستكملت مسيرتها بمقولتها: “أقول بلدى لو شحت عليا مرية.. وأهلى لو قسيوا عليا حنايا”، ولم تكن أقوالها كلامًا فارغًا من معانيه، إنما فعلًا قويًا تجسد فى صمودها بموطنها حتى ارتقت إلى ربها الأعلى في عملية استهدافها للمرة الثانية قبل يومين.

رصاصة الغدر الصهيونية قتلت “هادية نصار”، ولم تنه أثرها فى الحياة، رصاصة الغدر كتبت نهاية حياة الفلسطينية “أم عيون خضرا” على الأرض، لكن لم تطمس حقيقة أنها “أقدم من إسرائيل”.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.